تقرير خاص – يونيو 2025
في 19 مايو 2025، أعلن مجلس السيادة السوداني تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، في خطوة وصفت بأنها محاولة جديدة لإعادة تشكيل السلطة التنفيذية وسط نيران الحرب المستعرة بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع. لكن هذا التعيين، رغم ثقله الرمزي والأكاديمي، يواجه تحديات بنيوية عميقة تنبع من تاريخ طويل من الخلافات بين شركاء الحكم في السودان، وعلى رأسها إرث اتفاق جوبا للسلام الموقع في أكتوبر 2020.
خلفية: إرث اتفاق جوبا وعُقد الشراكة
اتفاق جوبا، الذي جاء بعد الثورة السودانية، حمل وعودًا كبيرة بإرساء السلام وتقاسم السلطة والثروة بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة. لكنه سرعان ما تحوّل إلى آلية لتوزيع المناصب بدلاً من منصة لتحقيق السلام الحقيقي. فالحركات المسلحة التي دخلت الحكومة ركّزت على الحقائب الوزارية ومواقع النفوذ، مما أدى إلى احتكاكات دائمة مع المكونات المدنية، وضعف التنسيق الداخلي، وتعطيل أجهزة الدولة.

وقد أظهرت الأحداث التالية – مثل الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، واستقالة عبد الله حمدوك، وانطلاق الحرب في 2023 – هشاشة هذا الاتفاق، بل وعجزه عن خلق شراكة وطنية حقيقية تتجاوز الحسابات الشخصية والجهوية.
واقع اليوم: حكومة جديدة في قلب العاصفة
يرث الدكتور كامل إدريس هذا المشهد المتفجر، وفي يده مفاتيح محدودة، حيث لا يملك سوى المناورة بين:
قوى مدنية منقسمة (بين المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية).
حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا، لا تزال تتمسك بمواقعها في الحكومة رغم غياب فاعليتها.
حركات غير موقعة (مثل جناح عبد الواحد نور، وعبد العزيز الحلو) لا تعترف بشرعية السلطة القائمة أصلًا.
جيش يخوض حربًا مفتوحة، ومليشيا تسيطر على نصف العاصمة.
جوبا كقاعدة للحوار أم عبء على التشكيل؟
النقاش الأساسي الدائر اليوم هو: هل يجب الاستمرار في اعتماد اتفاق جوبا كمرجعية لتقاسم السلطة في الحكومة الجديدة، أم تجاوز الاتفاق كليًا نحو صيغة حكم أكثر تمثيلًا وشمولًا؟
▪ من جهة، تطالب الحركات المسلحة الموقعة على جوبا (مناوي، جبريل، عقار) بالاحتفاظ بمكاسبها السياسية وحقها في المشاركة باعتبارها “شركاء للسلام”.
▪ من جهة أخرى، يرى كثير من السودانيين أن هذه الحركات فقدت الشرعية الشعبية، ولم تقدم شيئًا يذكر خلال الحرب الحالية، بل إن بعضها وُجهت له اتهامات بالتواطؤ أو الصمت تجاه جرائم ميدانية.
منطق المصلحة الوطنية أم تكرار أخطاء الماضي؟
إن مصير الحكومة الجديدة بقيادة كامل إدريس لن يتحدد فقط بناءً على نواياه أو كفاءته الفردية، بل على قدرة جميع الأطراف – بما فيهم شركاء اتفاق جوبا – على التخلي عن منطق المحاصصة والمكاسب الفردية، والانتقال إلى منطق المصلحة الوطنية.
فالسودان لم يعد يحتمل مزيدًا من التجارب الفاشلة. وإن لم يُغلب صوت الوطن على صوت الفصائل، فإن هذه الحكومة ستواجه نفس المصير الذي واجهته الحكومات السابقة، مهما تغيرت الأسماء.