أخر الأخبار

إفريقيا في مرمى النار: تصاعد الإرهاب وتآكل الدولة في قلب القارة السوداء

متابعة-Khan News

في عام 2024، أطلق “مؤشر الإرهاب العالمي” إنذارًا مدوّيًا حين صنّف ست دول أفريقية ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا، هي: بوركينا فاسو، مالي، النيجر، نيجيريا، الصومال، والكاميرون. هذا التصنيف لا يعكس فقط اضطرابات أمنية عابرة، بل يكشف عن أزمة بنيوية تتجاوز المواجهات المسلحة إلى عمق الدولة ومقومات التنمية والبقاء. إنه إعلان بأن القارة تواجه تحديًا ثلاثي الأبعاد: إرهابٌ متصاعد، دولةٌ متآكلة، وصراعٌ جيوسياسي محتدم.

  1. الساحل الأفريقي… التحول إلى بؤرة عالمية للإرهاب

في سابقة خطيرة، تصدرت بوركينا فاسو المؤشر العالمي، بتسجيلها أكثر من 1,500 حالة وفاة جراء الإرهاب خلال عام واحد، رغم تراجع عدد الهجمات بنسبة 57%. تلتها مالي والنيجر ونيجيريا، مما يؤكد أن الشريط الساحلي الممتد من المحيط الأطلسي إلى القرن الأفريقي أصبح المسرح الأبرز للجماعات المتطرفة مثل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”. ما يحدث في هذه الرقعة الجغرافية ليس اضطرابًا موضعيًا، بل إعادة ترسيم لخريطة الإرهاب الدولية.

تصاعد الإرهاب وتآكل الدولة في قلب القارة السوداء
تصاعد الإرهاب وتآكل الدولة في قلب القارة السوداء

 

 

 

  1. فشل الأمن التقليدي والدعم الأجنبي

رغم التواجد المكثف للقوى الأجنبية – من فرنسا إلى الولايات المتحدة، ومن روسيا إلى الاتحاد الأفريقي – لم تتمكن استراتيجيات الدعم العسكري من كبح جماح الجماعات المسلحة. مالي والنيجر، اللتان شهدتا انقلابات عسكرية متتالية، اتجهتا نحو فك الارتباط مع فرنسا والتحالف مع روسيا، ما يكشف عن أزمة ثقة متبادلة، وتحول جيوسياسي يعيد صياغة موازين القوى في الساحل الأفريقي. ومع ذلك، لا يزال الإرهاب يتمدد، والهجمات تطال العاصمة باماكو لأول مرة منذ 2016، في مؤشر على عمق الاختراق.

  1. الانقلابات العسكرية تغذي التمدد المسلح

شهدت المنطقة منذ عام 2021 سلسلة انقلابات في مالي، بوركينا فاسو، والنيجر. وبينما وعد القادة العسكريون بإعادة الأمن، فإن النتائج جاءت عكسية؛ فقد استفادت الجماعات المسلحة من الفوضى السياسية، والفراغ الأمني، والانشغال الداخلي في الحكومات الانتقالية لتعزيز وجودها وتوسيع رقعة نشاطها. في النيجر وحدها، تجاوز عدد الوفيات 900 خلال عام واحد رغم تناقص الهجمات، ما يدل على شراسة العمليات وتعمد استهداف المدنيين.

  1. الإرهاب والتهميش التنموي: علاقة سببية متجذرة

المؤشر يكشف عن علاقة واضحة بين تصاعد الإرهاب ومستويات الفقر والهشاشة الاجتماعية. في دول مثل بوركينا فاسو ومالي، تتراجع معدلات التعليم وتنهار البنية التحتية، بينما تنتشر البطالة بين الشباب في مناطق محرومة ومهمشة. هذه البيئة المأزومة تمثل حاضنة مثالية للتطرف، حيث يجد الشباب في خطاب الجماعات المسلحة تعويضًا رمزيًا عن الإقصاء الاجتماعي والسياسي الذي يعيشونه. أكثر من 51% من الوفيات الناتجة عن الإرهاب عالميًا سُجلت في أفريقيا هذا العام، وهو رقم صادم يعكس أزمة تنموية شاملة لا مجرد خلل أمني.

  1. فجوة الثقة بين الشعوب والدولة: مدخل لاستقطاب التطرف

تتركز معظم الهجمات في مناطق ذات تركيبة عرقية أو دينية خاصة، تعاني من غياب الحضور الحكومي والخدمات الأساسية. سكان هذه المناطق لا يرون في الدولة حامية أو ممثلة، بل جهة غائبة أو معادية. هذا الشعور بالخذلان يغذي سرديات الجماعات المتطرفة التي تعرض نفسها كبديل يوفر العدالة والحماية والهوية. هكذا، يتحول التهميش إلى تمرد، ويصبح الانتماء إلى الجماعة المسلحة خيارًا وجوديًا.

  1. مشهد أمني معقد وتعدد للفاعلين

البيئة الأمنية في هذه الدول باتت شديدة التشظي، بوجود جماعات محلية وعابرة للحدود، منها ما يحمل أجندات دينية، ومنها من يتماهى مع حركات انفصالية أو احتجاجية. ففي نيجيريا، لا تنشط فقط بوكو حرام وتنظيم الدولة، بل أيضًا حركات انفصالية في الجنوب الشرقي، مما يصعّب من وضع استراتيجيات موحدة للمواجهة. وفي الكاميرون، تختلط تهديدات بوكو حرام مع الجماعات الانفصالية في الجنوب الغربي، ما يزيد من التحديات الأمنية.

  1. تهديد يمتد إلى ما وراء الحدود الأفريقية

تدهور الأوضاع الأمنية في هذه الدول لا يبقى حبيس حدودها. تدفقات النزوح واللجوء الجماعي باتجاه دول الجوار، أو حتى شمالًا نحو أوروبا، تزداد، إلى جانب ارتفاع وتيرة الاتجار بالبشر والسلاح عبر شبكات تمتد من الصحراء الكبرى إلى سواحل المتوسط. كما أن استمرار الانفلات الأمني قد يجعل من أفريقيا منصة لإطلاق هجمات خارجية مستقبلية، ما يجعل أمن القارة قضية عالمية، لا شأنًا محليًا فحسب.

ما بين الفشل التنموي والصراع الدولي

إن تصنيف ست دول أفريقية ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب لا يمكن قراءته كمجرد مؤشر أمني. إنه تشخيص لانهيار العقد الاجتماعي، وفشل سياسات التنمية، وتآكل شرعية الدولة، وتزايد الاستقطاب الدولي على موارد ونفوذ القارة. ما تحتاجه أفريقيا ليس مزيدًا من العتاد العسكري، بل رؤية متكاملة تعيد بناء الدولة من القاعدة: أمن مجتمعي، عدالة اجتماعية، تنمية عادلة، وحوار سياسي جامع.

القارة ليست مجرد ساحة للمعارك، بل هي قلب المعركة العالمية بين الاستقرار والانهيار.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى