أخر الأخبار

لماذا انفجر السودان؟ قصة صعود "المليشيا" حتى اندلاع حرب الكرامة

تحليل سياسي-عمرو خان

لا يمكن فهم الانفجار الكبير الذي شهده السودان في أبريل 2023 من دون العودة إلى الجذور الأولى لظهور «قوات الدعم السريع»، التي لم تنشأ بوصفها كيانًا طارئًا أو استثنائيًا، بل كانت نتاجًا مباشرًا لأزمات الدولة السودانية المزمنة في إدارة الأطراف والنزاعات المسلحة.

لماذا انفجر السودان؟ قصة صعود "المليشيا" حتى اندلاع حرب الكرامة
لماذا انفجر السودان؟ قصة صعود “المليشيا” حتى اندلاع حرب الكرامة

الجذور التاريخية لظهور الدعم السريع

في مطلع الألفية الثانية، ومع اندلاع أزمة دارفور (2003)، واجه نظام الرئيس عمر البشير تحديًا عسكريًا وسياسيًا غير مسبوق، تمثّل في تمرد مسلح ذي أبعاد أثنية وإقليمية، هدد تماسك الدولة وهيبتها. في هذا السياق، لجأ النظام إلى تفويض العنف بدلًا من بناء جيش وطني مهني قادر على إدارة النزاع ضمن أطر قانونية. فتم الاعتماد على مليشيات محلية، عُرفت لاحقًا باسم «الجنجويد»، للقيام بدور عسكري غير رسمي، مقابل حماية سياسية وإفلات من المحاسبة.

ومع مرور الوقت، تحولت هذه المليشيات من أداة أمنية مؤقتة إلى قوة واقعية على الأرض، تمتلك السلاح والموارد والنفوذ الاجتماعي، ما دفع النظام إلى محاولة «تقنينها» بدلًا من تفكيكها. وهكذا، وفي عام 2013، تم إنشاء قوات الدعم السريع رسميًا، ووُضعت اسميًا تحت إشراف جهاز الأمن والمخابرات، قبل أن تُمنح لاحقًا وضعًا قانونيًا مستقلاً، وهو ما شكّل نقطة تحول خطيرة في بنية الدولة السودانية.

الدور المكلف به الدعم السريع وتداعياته

 كُلفت قوات الدعم السريع بأدوار متعددة: مكافحة التمرد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وحماية الحدود، والمساهمة في العمليات الخارجية، لا سيما المشاركة في حرب اليمن.

لكن تعدد هذه الأدوار لم يكن مصحوبًا بإطار وطني جامع أو عقيدة عسكرية واضحة، بل جاء في سياق توازنات داخل النظام تهدف إلى موازنة الجيش النظامي بقوة موازية، وهو ما أضعف الدولة بدلًا من أن يقوّيها.

ومع تراكم النفوذ الاقتصادي (خصوصًا عبر السيطرة على مناجم الذهب)، وتوسع العلاقات الإقليمية، تحولت قوات الدعم السريع من ذراع تنفيذية إلى فاعل سياسي وعسكري مستقل، له أجندته ومصالحه، وهو ما مهّد لاحقًا لصدامه الحتمي مع المؤسسة العسكرية التقليدية.

ما بعد 2019: الثورة المؤجلة وصراع الشراكة القسرية

سقوط البشير وبداية اختلال التوازن: بعد سقوط نظام البشير في أبريل 2019، دخل السودان مرحلة انتقالية معقدة، قامت على شراكة هشة بين المدنيين والعسكريين. غير أن هذه الشراكة أخفت تحت سطحها صراعًا مكتومًا على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

فبدلًا من تفكيك بنية العنف الموروثة، جرى ترحيل الأزمة وتأجيل الملفات الشائكة، وعلى رأسها: إصلاح القطاع الأمني، دمج المليشيات، بناء جيش وطني موحد

هذا التأجيل لم يكن بريئًا، بل كان نتاج خوف سياسي وضعف مدني، سمح لقوتين مسلحتين بأن تتقاسمان الدولة، لا أن تحمياها.

ما قبل الحرب: طريق مسدود

بين عامي 2020 و2023، تصاعدت الخلافات حول: توقيت وشروط دمج الدعم السريع في الجيش، والسيطرة على الموارد، والنفوذ السياسي في مرحلة ما بعد الانتقال.

ومع غياب مشروع وطني جامع، وتزايد التدخلات الإقليمية والدولية، أصبح السودان ساحة مفتوحة لصراع الإرادات، لا دولة ذات سيادة مكتملة.

حرب أبريل 2023: الانفجار الكبير وانهيار الدولة

اندلاع الحرب وتداعياتها:  في 15 أبريل 2023، انفجر الصراع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع، ليتحوّل سريعًا إلى حرب شاملة داخل المدن، طالت الخرطوم ودارفور ومناطق واسعة من البلاد.

لم تكن هذه الحرب مجرد صدام بين قوتين عسكريتين، بل كانت تتويجًا لفشل تاريخي طويل في: بناء دولة مؤسسات،  وإدارة التنوع، واحتكار العنف المشروع.

حرب أبريل 2023: الانفجار الكبير وانهيار الدولة
حرب أبريل 2023: الانفجار الكبير وانهيار الدولة

الأبعاد الإنسانية والسياسية (2023–2025)

حتى عام 2025، أسفرت الحرب عن: واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية، وتفكك النسيج الاجتماعي، وعودة خطيرة للانقسامات الأثنية والجهوية.

وسياسيًا، دخل السودان مرحلة اللايقين الكامل: لا سلطة مركزية فاعلة، ولا مشروع سلام ناضج، بل تعدد مراكز القرار وتضارب الأجندات الداخلية والخارجية.

قراءة مستقبلية: ما بعد الحرب… إن أمكن

إن الحرب كشفت بوضوح أن الأزمة السودانية ليست أزمة حكومات أو أنظمة فقط، بل أزمة فكرة الدولة ذاتها. فلا إصلاح حقيقي ممكن دون: تفكيك بنية المليشيات لا إعادة تدويرها، وإعادة تعريف العلاقة بين المركز والأطراف، وبناء عقد اجتماعي جديد يعترف بالتنوع دون عسكرة، وغلق أبواب التدخلات الخارجية عبر وحدة القرار الوطني.

ومن منظور البحث السياسي، فإن السودان يقف اليوم عند مفترق تاريخي حاسم:

إما إعادة تأسيس الدولة على أسس جديدة، أو الانزلاق إلى نموذج الدولة المنهارة طويل الأمد.

ورغم قتامة المشهد، فإن التاريخ السوداني يُثبت أن هذا الشعب، كلما ظُنّ أنه وصل إلى النهاية، فاجأ الجميع بقدرته على النهوض. غير أن النهوض هذه المرة لن يكون ممكنًا بلا حسمٍ جميل: حسم مع العنف، ومع الفوضى، ومع أوهام القوة خارج الدولة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى