أخر الأخبار

"دوسة" و"السماني": يكشفان معاناة المرأة  السودانية وأزمة الهوية

في مناقشة كتاب "وطن مصاب بمرض الفراق"

القاهرة- 14 أغسطس 2025

في ندوة مميزة خُصصت لمناقشة كتاب “وطن مصاب بمرض الفراق: السودان 1956–2024″، للكاتب الصحفي والباحث الأكاديمي عمرو خان، اجتمع في المنصة النقدية كل من الدكتورة مدينة حسين دوسة، أستاذة بجامعة نيالا، والأستاذ نادر السماني، الناقد الأدبي المهتم بالأدب العربي والأفريقي، لتقديم قراءات معمقة وتحليلات فكرية حول محتوى الكتاب.

مناقشة كتاب "وطن مصاب بمرض الفراق"
مناقشة كتاب “وطن مصاب بمرض الفراق”

مداخلة الدكتورة مدينة حسين دوسة

استهلت الدكتورة مدينة كلمتها بتقديم ورقة بحثية موسعة سلّطت الضوء على المحاور الرئيسة في الكتاب، مشيرة إلى أن المؤلف قدّم عملًا توثيقيًا وإنسانيًا فريدًا، نجح من خلاله في تسليط الضوء على معاناة المرأة السودانية في ظل موجات النزوح والهجرة واللجوء التي تعاقبت منذ استقلال السودان عام 1956، وتفاقمت بصورة غير مسبوقة مع اندلاع الحرب الأخيرة بين الجيش وميليشيات الجنجويد.

مناقشة كتاب "وطن مصاب بمرض الفراق"
مناقشة كتاب “وطن مصاب بمرض الفراق”

وأوضحت أن الكتاب لم يكتف بعرض الحقائق والأرقام، بل ذهب إلى عمق التجربة الإنسانية عبر رصد قصص واقعية لنساء عشن المأساة على الأرض. فمنهن من وجدن أنفسهن محاصرات تحت القصف في أحياء الخرطوم وأم درمان، غير قادرات على الفرار بسبب خطورة التنقل وسط الاشتباكات، ومنهن من تمكّن من مغادرة مناطق النزاع لكن انتهى بهن الحال عالقات بين المعابر الحدودية المصرية والإثيوبية، في انتظار فرصة عبور إلى برّ الأمان. وقد أبرز الكاتب كيف لعبت التكنولوجيا دورًا في هذه المأساة، حيث كانت تطبيقات المراسلة وسيلة النساء الوحيدة لتبادل الرسائل والاطمئنان على ذويهن، في وقت كانت فيه المسافات والحروب تفصل بينهن.

مناقشة كتاب "وطن مصاب بمرض الفراق"
مناقشة كتاب “وطن مصاب بمرض الفراق”

كما توقفت الدكتورة مدينة عند فصل آخر تناول فيه المؤلف تداعيات النزوح واللجوء وأثرها النفسي العميق على المجتمع السوداني، من صدمات ما بعد الحرب، إلى الانهيار النفسي الذي أصاب مئات الأطفال والشباب والنساء والرجال وكبار السن، لتصبح الأزمة ليست سياسية أو اقتصادية فقط، بل أزمة إنسانية ممتدة تحتاج إلى تدخل عاجل. وأشارت إلى أن الكتاب وثّق كذلك لدور المبادرات المجتمعية التي حاولت تقديم الدعم النفسي وسط ظروف بالغة القسوة، لافتة إلى أن هذا البعد الإنساني كان من أكثر الجوانب المؤثرة في العمل.

مناقشة كتاب "وطن مصاب بمرض الفراق"
مناقشة كتاب “وطن مصاب بمرض الفراق”

وتطرقت أيضًا إلى معالجة الكتاب لتجربة الشتات في البلدان المستضيفة، حيث تناول كيف يعيش النازح السوداني بين فقدان الوطن وصعوبة التأقلم في بيئة جديدة، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على تأثير الحكم الإسلامي في السودان على دور المرأة ومكانتها في المجتمع، وكيف انعكس ذلك على حياة النساء في فترات الحرب والسلم على حد سواء.

رؤية الناقد نادر السماني

أما الأستاذ نادر السماني فقد ركّز في مداخلته على زاوية مختلفة، حيث تناول معالجة الكاتب لقضية الهوية السودانية، ورأى أن طرح المؤلف جاء من منظور قد يراه البعض بعيدًا عن صلب إشكالية الهوية في السودان، لكنه في المقابل اعتبر أن هذا البُعد سمح للكاتب برصد قضايا مسكوت عنها.

مناقشة كتاب "وطن مصاب بمرض الفراق"
مناقشة كتاب “وطن مصاب بمرض الفراق”

وأشار السماني إلى أن من أبرز ما ميّز الكتاب هو تسليط الضوء على إشكالية الاندماج بين سكان الخرطوم وأم درمان من جهة، وسكان الولايات السودانية من جهة أخرى، وهي قضية غالبًا ما يتم تجاهلها، لكنها برزت بوضوح في تجربة النزوح واللجوء، خاصة في مصر بعد عام 2023. وأشاد بقدرة المؤلف على رصد حالة الانقسام بين السودانيين أنفسهم في أرض اللجوء، موضحًا أنهم لم يواجهوا فقط صعوبات الاندماج مع المجتمعات المستضيفة، بل حتى في ما بينهم، إذ ما زال كثيرون يعانون من فجوة في تقبّل اختلافاتهم الاجتماعية والثقافية، الأمر الذي يعمّق شعور الاغتراب حتى بين أبناء الوطن الواحد.

مناقشة كتاب "وطن مصاب بمرض الفراق"
مناقشة كتاب “وطن مصاب بمرض الفراق”

وفي ختام النقاش، أجمعت المداخلات على أن كتاب “وطن مصاب بمرض الفراق” ليس مجرد عمل توثيقي عن فترات من التاريخ السوداني، بل هو شهادة إنسانية حية، وصرخة ضد النسيان، ودعوة إلى إعادة قراءة التجربة السودانية من منظور إنساني واجتماعي وثقافي عميق.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى