أخر الأخبار

حكومة الأمل في السودان: تحليل تعيينات "إدريس" وسيناريوهات المستقبل

تحليل سياسي – عمرو خان

 

حكومة في مهب الآمال والمخاوف

في وقت تتصاعد فيه تطلعات السودانيين للخروج من نفق الحرب والدمار، وتتزايد فيه الدعوات لاستعادة وحدة البلاد ومؤسساتها، أعلن رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس تشكيل نواة أولى من حكومته الجديدة، شملت تعيين ثلاثة وزراء في وزارات حيوية، هم:
  • البروفيسور عصمت قرشي عبد الله محمد – وزيرًا للزراعة والري.
  • البروفيسور أحمد مضوي موسى محمد – وزيرًا للتعليم العالي والبحث العلمي.
  • البروفيسور معز عمر بخيت العوض – وزيرًا للصحة.
جاء القرار في لحظة سياسية حرجة، تمثل اختبارًا حقيقيًا ليس فقط لجدية الحكومة في تبني مشروع نهضوي مدني، بل أيضًا لقدرتها على كسب ثقة الداخل السوداني والشركاء الإقليميين والدوليين.

أولًا: قراءة في خلفيات الوزراء المعينين

ما يميز الوزراء الثلاثة الجدد هو أنهم تكنوقراط مستقلون، أي لا ينتمون إلى الحركات المسلحة أو الأحزاب السياسية التقليدية- بحسب ما يتم تداوله من أنباء – وهذه إشارة واضحة إلى نية رئيس الوزراء الخروج من المحاصصة، التي حاولت أن تفرضها الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، هكذا؛ يفتح “إدريس” المجال لذوي الكفاءة، بما ينسجم مع رؤية إصلاح مؤسسات الدولة على أساس المهنية لا الولاء.

  • وبالنسبة إلي البروفيسور عصمت قرشي: فهو متخصص في السياسات الزراعية والتنمية الريفية، ومن المنتظر أن يواجه تحديات جسيمة على رأسها انعدام الأمن الغذائي، وتأثير الحرب على المواسم الزراعية.
  • أما البروفيسور أحمد مضوي موسى: فهو من أبرز الأكاديميين في السودان وله سمعة قوية في ملفات الحوكمة والشفافية، ما يجعله مرشحًا جيدًا لإصلاح التعليم العالي الذي تضرر بفعل الحرب والنزوح.
  • ويُعد البروفيسور معز بخيت: من أبز الأطباء والعلماء المشهود لهم دوليًا في علوم الأعصاب والتخطيط الصحي، ومهمته الأصعب ستكون إعادة ترميم النظام الصحي شبه المنهار، خاصة في دارفور والخرطوم ومناطق النزاع.

ثانيًا: الدلالات السياسية للقرار

يمثل هذا القرار تحول نحو الدولة المدنية، إذ إن التعيينات تمثل انحيازًا واضحًا للنخبة العلمية على حساب النخب السياسية أو العسكرية، في خطوة تسعى لترسيخ صورة حكومة مدنية بامتياز.

وأيضًا تُعد رغبة في كسب الثقة الشعبية، إذ إن هذا القرار يرسل رسائل متعددة؛ للمواطن السوداني الباحث عن أمل، وللمجتمع الدولي المراقب لمسار الانتقال السياسي، وللقوى الداخلية التي ربما تكون مترددة في دعم مشروع إدريس.

كما يعتبر هذا القرار تحصين ضد الانقسام السياسي، لاسيما غياب الأسماء الحزبية أو المسلحة يهدف إلى تقليل حدة الاستقطاب، وإعطاء الحكومة هامشًا أوسع للعمل دون ضغوط تفاوضية أو محاصصة جهوية.

ثالثًا: تحديات الحكومة القادمة

  • رغم الطابع الإيجابي لقرار التعيين، إلا أن الواقع السوداني يفرض تحديات هائلة أمام حكومة كامل إدريس، أبرزها:
  • غياب الأمن والاستقرار: إن استمرار الحرب بين الجيش والدعم السريع يشل الحركة الحكومية، ويصعب من تنفيذ السياسات الخدمية.
  • انهيار البنية التحتية: وتبرز القطاعات الثلاثة (الزراعة، التعليم، الصحة) إنها الأكثر تضررًا من الحرب والنزوح، مما يجعل مهمة الوزراء الجدد أقرب إلى إدارة “أزمة مستدامة”.
  • افتقار الموارد: الوضع الاقتصادي الحرج، والتضخم، وانهيار الإيرادات، تعني أن أي إصلاح يحتاج إلى دعم دولي عاجل، وشفافية داخلية عالية.
  • التوازن السياسي: إدريس مطالب بالحفاظ على مسافة واحدة من جميع الأطراف (الجيش، القوى المدنية، الحركات المسلحة) وهو توازن هش وصعب.

رابعًا: سيناريوهات مستقبل حكومة الأمل

 

السيناريو الأول: النجاح المرحلي والمشروط

  • تفلح الحكومة في تنفيذ خطوات إصلاحية أولية، بفضل الدعم الدولي وهدنة مؤقتة في الحرب.
  • يتم التوسع في التعيينات بشكل مدروس مع الحفاظ على الطابع التكنوقراطي.
  • تبدأ الدولة في استعادة الثقة داخليًا وخارجيًا.
احتمالاته: متوسطة إلى ضعيفة دون اتفاق سياسي شامل أو ضغط دولي منسّق لوقف إطلاق النار.

 

السيناريو الثاني: الشلل المؤسسي والتراجع

  • تستمر الحرب وتُشل الحكومة بسبب غياب سلطة فعلية في الأرض.
  • يتحول الوزراء إلى رموز بلا أدوات تنفيذ.
  • تزداد الضغوط من الحركات المسلحة للمطالبة بنصيبها في الحكومة.
احتمالاته: مرتفعة إذا لم يتم وقف الحرب أو تحسين الوضع الأمني في العواصم الإدارية.

 

السيناريو الثالث: احتواء الحرب وبداية تسوية سياسية

  • تدخل الحكومة في مفاوضات موسعة تشمل جميع الأطراف، بما فيها الدعم السريع والحركات غير الموقعة.
  • يتم تشكيل حكومة موسعة برئاسة إدريس أو برعاية دولية.
  • يتم تفعيل مؤسسات العدالة الانتقالية ووضع جدول زمني للانتخابات.
احتمالاته: تعتمد على مدى تناغم الجيش مع مشروع إدريس، وعلى توافق إقليمي – دولي حول تسوية سياسية شاملة.

وأخيرًا: هل يبدأ السودان صفحة جديدة؟

يبدو أن الدكتور كامل إدريس قد بدأ بإشارات قوية تعكس نيته في إحداث تغيير حقيقي في نمط الحكم، والانتقال من “التمكين الثوري” إلى “الإدارة الفعالة”. لكن ما بين الإرادة والتنفيذ، تقف الحرب حائطًا عازلًا، لا يمكن تجاوزه دون تسوية سياسية شجاعة.
“حكومة الأمل” قد تكون فرصة السودان الأخيرة للخروج من نفق الانهيار، لكنها تحتاج إلى توافق وطني، وتكاتف إقليمي، وجرأة في اتخاذ القرار.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى