أخر الأخبار

تقاسم السلطة أم تقسيم السودان؟ قراءة في التصعيد السياسي بقيادة حميدتى

شهد السودان في الآونة الأخيرة تحولًا سياسيًا خطيرًا بتأدية قائد قوات الدعم السريع، حمدان دقلو “حميدتي”، اليمين الدستورية رئيسًا للمجلس الرئاسي بحكومة تأسيسية جديدة. إن هذه الخطوة لا تمثل مجرد تغيير في السلطة، بل ترسم ملامح مرحلة دقيقة وحساسة في تاريخ البلاد، يمكن أن تؤدي إلى خيارات سياسية بالغة الأهمية تتراوح بين تقاسم السلطة أو تقسيم السودان إلى دولتين. فما هي دلالات هذا التحول؟ وهل هو بداية لانقسام حتمي في السودان؟

تصعيد سياسي غير مسبوق

إن وصول حميدتي إلى قمة الهرم السياسي في السودان يمثل تصعيدًا غير مسبوق في تاريخ الصراع السوداني الداخلي. فعلى الرغم من أن حميدتي كان قد انخرط في العمل العسكري والسياسي بعد اندلاع الاحتجاجات ضد النظام البائد في 2019، إلا أن دخوله اليوم إلى منصب رئيس المجلس الرئاسي يضعه في موقع قيادي لا يمكن تجاهله. فبعد سنوات من التعامل معه كزعيم لقوات الدعم السريع، التي يصفها البعض بـ”المرتزقة” أو “الميليشيات”، أصبح حميدتي اليوم شخصًا محوريًا في مستقبل السودان السياسي.

ولا شك أن هذا التصعيد جاء بدعم خارجي واضح، وهو أمر يعكس حالة من التدخل الدولي في الشأن السوداني. فتوازن القوى في البلاد، وخاصة في ظل الدعم الإقليمي والدولي لقوى بعينها، قد يجعل من السهل على حميدتي أن يعزز مكانته على رأس السلطة، مما يفتح الباب أمام مفاوضات قد تشمل تقاسم السلطة مع خصومه السياسيين أو حتى التوجه نحو تقسيم السودان بشكل غير مباشر.

السيناريو الأول: تقاسم السلطة

قد يمثل تصعيد حميدتي في السلطة بداية لتفاهم سياسي بين مختلف الأطراف السودانية. في حال توصلت القوى السياسية الفاعلة إلى اتفاق مع حميدتي، قد يتم تقاسم السلطة بشكل يعكس التوزيع العسكري والسياسي بين الفصائل المختلفة. فهذا التصعيد قد يكون مدخلًا لمرحلة انتقالية جديدة يتم خلالها تمثيل كافة الأطراف السودانية في حكومة واحدة، مع الأخذ في الاعتبار توازنات القوة العسكرية والسياسية، بما في ذلك تواجد حميدتي وقوات الدعم السريع.

إن تقاسم السلطة في السودان يبدو، من الناحية النظرية، الحل الأكثر توافقًا إذا ما تم الاتفاق عليه بين القوى السياسية والعسكرية. إلا أن هذا الحل قد يواجه تحديات كبيرة، حيث يصعب ضمان التوازن الفعلي بين هذه القوى في ظل تاريخ طويل من الصراعات العرقية والسياسية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن تتأثر هذه التسوية بالضغوط الإقليمية والدولية التي قد تدفع في اتجاه تسوية تحفظ مصالح القوى الكبرى.

السيناريو الثاني: تقسيم السودان

أما السيناريو الأكثر تشاؤمًا، والذي يبدو مرشحًا أكثر في ظل الظروف الحالية، فيتمثل في تقسيم السودان إلى دولتين. فمنذ بداية الصراع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع، ظهرت مؤشرات على أن البلاد تسير نحو حرب أهلية جديدة قد تؤدي إلى تمزق السودان إلى دويلات. في حال فشل أي اتفاق سياسي بين القوى العسكرية والسياسية في السودان، سيكون هذا التصعيد الخطير من حميدتي بمثابة خطوة نحو تفكك السودان.

إن وجود حميدتي على رأس السلطة قد يعزز من استقلالية قوات الدعم السريع، مما يجعل من الصعب على الحكومة المركزية التحكم في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات. وفي حال استمرار هذا الانقسام، قد تجد الحكومة السودانية نفسها أمام خيار تقسيم الدولة إلى دولتين أو أكثر، كما حدث في 2011 مع انفصال جنوب السودان. قد تصبح هذه الخطوة أمرًا واقعًا مع تصاعد دعم القوى الدولية والإقليمية لكل طرف، ما يعكس بدوره رغبة خارجية في إحداث التوازنات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة.

السيناريو الثالث: المفاوضات المرهونة بشروط خارجية

من الممكن أن تلعب القوى الإقليمية والدولية دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل السودان، وقد تفضّل بعض الأطراف الخارجية استمرار الوضع القائم بتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين. في هذه الحالة، ستكون المفاوضات مفتوحة على جميع الاحتمالات، بما في ذلك تشكيل حكومة جديدة تجمع بين العناصر العسكرية والمدنية. لكن هذا الخيار يتطلب تنازلات كبيرة من جميع الأطراف، بما في ذلك المجموعات السياسية والمجتمع الدولي، إضافة إلى أن الضغوط الداخلية من الشعب السوداني قد تؤدي إلى استحقاقات دستورية جديدة أو انتخابات حرة.

الخاتمة: التحديات المستقبلية

في النهاية، سواء كان السودان متجهًا نحو تقاسم السلطة أو تقسيم الدولة، تظل التحديات كبيرة. فالمرحلة القادمة قد تحمل في طياتها المزيد من الصراعات المسلحة أو قد تشهد خطوات نحو الاستقرار عبر اتفاقات سياسية معقدة. لكن في كلتا الحالتين، يُعتبر دخول حميدتي إلى رئاسة المجلس الرئاسي بمثابة تحول كبير في المشهد السوداني، مع تأثيرات طويلة المدى على استقرار البلاد والمصير السياسي لشعبها.

هل سنشهد تقاسمًا للسلطة ينقذ السودان من الانقسام، أم أن البلاد ستدخل مرحلة جديدة من الصراعات التي تؤدي إلى تقسيمها؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى