
في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كانت نابولي مدينة غارقة في الفقر، متعبة من أعباء الحياة، لا تملك ما يميزها أمام عواصم ومدن إيطاليا الثرية. روما تتباهى بأنها عاصمة التاريخ، ميلانو تتزين بأزياء العالم، تورينو تتألق بصناعة المناجم والاقتصاد… أما نابولي فكانت مجرد مدينة على الهامش، تبحث عن هوية تنقذها من الغرق.
حينها، وقف رئيس النادي، كورّادو فيرلاينو، أمام عمدة المدينة وقال له بنبرة دهاء وحلم:
“سيدي العمدة، لا نريد مصانع ولا مناجم، نريد شيئًا يجعل الناس يأتون إلينا. دعنا نجعل نابولي وجهة العالم. لنفعلها بلا حديد ولا ذهب… بل بإنسان واحد، بموهبة واحدة، بدييجو مارادونا.”
ابتسم العمدة بمرارة: “لكن الخزائن فارغة… من أين نأتي بمبلغ سبعة ملايين جنيه إسترليني؟”
فيرلاينو، ببصيرة لا يملكها سوى من يقرأ المستقبل، أجاب: “سنجعل المدينة نفسها تستثمر… إن جاء مارادونا، سيأتي العالم كله خلفه.”
وهكذا، انطلقت الفكرة. لم يكن المال متوفراً في البنوك، لكنه وُجد في قلوب الناس. خرجت الجماهير إلى الشوارع، جمعت الأموال في صندوق، ساعدت السلطات المحلية، ووقفت نابولي بأكملها كتلة واحدة لتكتب تاريخاً جديداً.
وفي اليوم الموعود، حين حطت قدما مارادونا أرض نابولي، امتلأ الملعب حتى آخر مقعد، وارتفعت لافتة كتب عليها:
“هناك نجوم كثيرة… لكنك النجم الأكثر إشراقاً.”
منذ تلك اللحظة، تبدل وجه المدينة. الصحفيون والمراسلون احتلوا فنادقها القليلة حتى لم يعد فيها سرير شاغر، فبدأ السكان يؤجّرون بيوتهم للغرباء. ثم جاء المستثمرون ليبنوا فنادق جديدة، مطاعم، مقاهي، وحياة كاملة تدور حول كرة القدم. لم يكن مارادونا لاعباً فقط، بل كان مشروع نهضة.

ولهذا، فإن حب نابولي له لم يكن بسبب البطولات وحدها، بل لأنه أخرجهم من فقرهم، أعاد لهم الأمل، ومنحهم هوية. حتى أن أهل نابولي صاروا يقولون:
“إن دخل لصّ بيتاً وعرف أن صاحبه أرجنتيني… فإنه يتركه احتراماً لمارادونا.”
دييجو أرماندو مارادونا لم يكن مجرد أسطورة كروية… بل كان معجزة اجتماعية. رجل واحد جعل مدينة كاملة تقف على قدميها من جديد.