
برحيله، فقدت الشاشة العربية أحد أكثر وجوهها حضورًا وصدقًا. لم يكن لطفي لبيب مجرد ممثل ثانٍ أو داعم لأبطال المشهد، بل كان – في صمته وخفته – البطل الخفي للعديد من الأعمال التي عبرت وجدان الجمهور دون صخب أو استعراض.
ولد لطفي لبيب عام 1947 في محافظة بني سويف، في بيت ريفي بسيط، ودرس الفلسفة في جامعة عين شمس قبل أن يلتحق بمعهد الفنون المسرحية ليتخرج منه عام 1979. لكن البداية الحقيقية له كممثل تأخرت، ليس فقط بسبب ظروف سوق الفن، بل أيضًا لأنه قضى سنوات من حياته مجندًا في الجيش خلال حرب أكتوبر 1973، وهي التجربة التي وصفها مرارًا بأنها شكلت وجدانه وأسلوبه في الحياة والتمثيل.
دخل عالم الدراما والسينما متأخرًا، لكن بثقة هادئة. في أفلام مثل البريء والإرهاب والكباب وصعيدي في الجامعة الأمريكية، لم يكن مجرد حضور جانبي، بل علامة مميزة تشبه توقيعًا خاصًا في نهاية كل مشهد. ورغم أنه لم يحمل بطولة مطلقة، إلا أن ابتسامته الساخرة، ووقفته المتزنة، وصوته الدافئ، كانت كفيلة بتحويل أي دور صغير إلى لحظة لا تُنسى.
اشتهر بأدوار الأب، الضابط، الطبيب، أو حتى الموظف الحكومي، لكنه دائمًا كان يقدمها بنكهة تختلف عن الآخرين؛ لم يكن يقلد أحدًا، بل كان “لطفي لبيب” في كل مرة، بطريقته الخاصة. شخصياته كانت مألوفة للمشاهد، تشبه العم أو الجار أو الصديق الذي ينصحك دون أن يزعجك.
في سنواته الأخيرة، ابتعد عن التمثيل بسبب مشاكل صحية أثرت على قدرته على الحركة، لكنه ظل متابعًا ومحبًا للفن، ورافضًا لفكرة أن يُستدرج إلى الشفقة أو المجاملة. في حواراته القليلة، بدا متصالحًا مع فكرة التراجع، قائلاً: “أنا شبعت تمثيل، وقلبي مليان حب من الناس.”
لطفي لبيب لم يكن نجمًا براقًا في سماء مزيفة، بل قمرًا ثابتًا في الخلفية، نوره خافت لكنه دافئ. كانت أدواره بمثابة مرآة صادقة للمصري البسيط، الطيب، الذي يضحك رغم الهموم، ويحب رغم التعب، ويعيش في الظل دون أن يطلب تصفيقًا.
برحيله، لا يودع الناس ممثلًا فحسب، بل صديقًا قريبًا، ووجهًا يألفه القلب قبل العين.