أخر الأخبار

على وصفي يكتب.. السلامة المهنية في مصر: من التشريع إلى الجودة

لطالما كانت حماية العمال وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية واحدة من القيم الأساسية التي ينبغي أن تضعها أي دولة متقدمة أو تطمح للتقدم في صدارة أولوياتها، وفي الحالة المصرية، نجد أن مسيرة تطور معايير السلامة والصحة المهنية لم تكن مجرد استجابة لضغوط قانونية أو متطلبات خارجية، بل هي انعكاس لتحولات اجتماعية واقتصادية وفكرية مستمرة.

بدايات متواضعة لكنها واعدة

تاريخياً، لم تكن معايير السلامة المهنية في مصر واضحة المعالم في بدايات القرن العشرين. فمع التحول الصناعي وبروز الطبقة العاملة، بدأ يظهر وعي أولي بأهمية تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، والحرص على توفير بيئة عمل أكثر أماناً.

ومع مرور الوقت، اتسعت القناعة بأن هذا الاهتمام لا يصب فقط في مصلحة العمال، بل يُعد عنصراً جوهرياً في جودة الإنتاج واستدامته.

التشريعات الأولى: نقطة تحول حقيقية

قفز الاهتمام بالسلامة المهنية قفزة كبيرة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين تم إقرار قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 الذي وضع لأول مرة التزامات واضحة على عاتق أصحاب العمل لحماية العمال صحياً وجسدياً.

منظومة تشريعية متكاملة

المشهد القانوني لم يتوقف عند قانون العمل الأول. لاحقاً، وبالتحديد في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، تم تعزيز الإطار القانوني بشكل أكثر شمولاً. خصص القانون باباً كاملاً للسلامة والصحة المهنية، مع نصوص دقيقة تضمن:
  • تحديد مسؤوليات صاحب العمل
  • آليات تفتيش دورية
  • تشكيل لجان السلامة داخل المنشآت
  • فرض عقوبات رادعة على المخالفين
إلى جانب ذلك، لا يمكن إغفال أهمية قوانين مثل:
  • قانون التأمينات الاجتماعية رقم 148 لسنة 2019
  • قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994
  • القرارات الوزارية واللوائح التنظيمية المكملة
  • وكلها شكلت منظومة متكاملة تهدف إلى رفع مستوى الأمان وتحسين جودة الحياة العملية.
  • ليست مجرد التزام قانوني.. بل عنصر جودة
ثمة تحول مهم طرأ على مفهوم السلامة والصحة المهنية في العقود الأخيرة:

لم تعد مجرد “واجب قانوني” يخشاه أصحاب العمل خوفاً من العقوبات، بل باتت عنصراً استراتيجياً في تحسين الأداء والإنتاجية.

شركات عديدة أصبحت تدرك أن بيئة العمل الآمنة تؤدي إلى:
  • رفع كفاءة العامل
  • خفض نسب الغياب والإصابات
  • تحسين صورة المؤسسة أمام الشركاء والعملاء
  • حماية أصول المنشأة من التلف والخسائر
  • التحدي المستمر: مواكبة التطورات العالمية

رغم هذا التطور اللافت، يبقى التحدي الأهم هو مواكبة التحولات السريعة في سوق العمل والتكنولوجيا. فالمهن الجديدة والأنشطة الصناعية المعقدة تفرض معايير مستحدثة للسلامة، تتطلب تحديثاً دائماً للتشريعات ورفع مستوى الوعي المهني لدى الجميع.

الخلاصة

إن مسيرة معايير السلامة والصحة المهنية في مصر ليست مجرد تطور في النصوص القانونية، بل تعكس وعياً وطنياً متزايداً بأن الإنسان هو الثروة الأهم، وأن الحفاظ عليه وعلى بيئة العمل هو أساس أي نجاح اقتصادي مستدام.

والسؤال الآن: هل نحن مستعدون لجعل هذه الثقافة جزءاً من هوية العمل المصري في كافة القطاعات؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى