أخر الأخبار

عمرو خان يكتب..التصعيد الإسرائيلي الإيراني وموقع مصر بين الجغرافيا والنار

في لحظة شديدة الحساسية من عمر الإقليم، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية جوية مفاجئة استهدفت العمق الإيراني تحت اسم “الأسد الصاعد”، واضعةً الشرق الأوسط أمام احتمال اندلاع مواجهة إقليمية واسعة تتجاوز حسابات الردع التقليدي.

ولا تنحصر هذه التطورات في بعدها العسكري، بل تنذر بسلسلة من التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية العميقة على دول المنطقة، وعلى رأسها مصر، التي تُعد فاعلًا مركزيًا في معادلة الأمن الإقليمي.

مصر بين التقاطع الجغرافي وتشابك المصالح

تقع مصر في موقع جيوسياسي يجعلها في قلب أي خلل بنيوي يطال استقرار الشرق الأوسط، لا سيما إذا ما تعلّق الأمر بممرات الملاحة، وأسواق الطاقة، والأمن الغذائي، إذ إن الضربات الإسرائيلية التي طالت منشآت نووية ومراكز صناعات عسكرية في نطنز وأراك وطهران وكرمنشاه، وردود إيران الصاروخية، وضعت المضائق الحيوية مثل باب المندب ومضيق هرمز على خريطة الخطر المحتمل، مما ينذر بتعطيل حركة السفن ورفع تكاليف الشحن البحري التي تعتمد عليها مصر بشدة.

لا تنبع المخاوف المصرية فقط من الاضطراب الأمني المحتمل في البحر الأحمر، بل أيضًا من انعكاسات مباشرة على أسعار النفط والقمح والغاز، حيث أن أي توتر طويل الأمد سيدفع بهذه السلع نحو موجات تضخم جديدة.

دوائر التصعيد وتأثيراتها المتدرجة على مصر

وفقًا للتطورات، يمكن تحليل التأثيرات ضمن مستويين متداخلين:

المستوى الأول: حالة التصعيد المحدود، حيث تبقى الهجمات محصورة بين إيران وإسرائيل دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة أو استهداف مباشر لدول الخليج أو المضائق.

وفي هذه الحالة:

  1. سترتفع أسعار السلع الحيوية المستوردة.
  2. يتعرض الجنيه المصري لضغوط جديدة أمام الدولار.
  3. يشهد الاقتصاد المصري موجة غلاء ناتجة عن تقلبات الأسواق العالمية.

المستوى الثاني: التصعيد الأوسع، الذي يشمل تدخلات دولية أو تعطل الملاحة في المضائق أو ضربات تمتد نحو الخليج العربي:

  1. ستكون هناك انعكاسات شديدة الخطورة على أمن الطاقة المصري.
  2. قد تتضرر قناة السويس من التحولات في حركة السفن العالمية.
  3. يظهر خطر دخول الإقليم في حرب استنزاف طويلة تعيد رسم خرائط النفوذ والطاقة.

الموقف المصري: تأهب شامل ودبلوماسية نشطة

منذ الساعات الأولى للهجوم، تحركت مصر على ثلاثة محاور رئيسية:

دبلوماسيًا: أكدت وزارة الخارجية المصرية رفضها المطلق لانتهاك سيادة الدول، وأدانت الهجمات الإسرائيلية بوصفها تصعيدًا خطيرًا يضرب قواعد القانون الدولي، كما أجرى وزير الخارجية اتصالات عربية وأوروبية لحشد موقف دولي ضاغط لوقف التدهور.

اقتصاديًا: عقد رئيس الوزراء اجتماعًا عاجلًا لمتابعة تداعيات الأزمة على تأمين إمدادات الطاقة، خصوصًا البترول والغاز، وهي إشارة إلى قلق رسمي عميق من انكشاف السوق المحلية لأزمات إقليمية متسارعة.

أمنيًا: أعلنت سلطات الطيران المدني رفع حالة الاستعداد القصوى في المطارات المصرية، تحسبًا لأي اضطراب محتمل في المجال الجوي أو الملاحة الإقليمية.

كما أصدرت هيئة الرقابة النووية المصرية بيانًا يطمئن الرأي العام بأن الوضع الإشعاعي في منشأة نطنز الإيرانية تحت السيطرة، في إشارة واضحة إلى الاهتمام بآثار التلوث النووي المحتملة.

سيناريوهات متعددة في إقليم مأزوم

يدرك صانع القرار المصري أن الحرب – إن خرجت عن السيطرة – قد تعني انهيارًا في بنية الاستقرار الإقليمي، لا سيما أن المواجهة الحالية تختلف عن سابقاتها: إنها تجري في زمن التعدد القطبي، وتأتي وسط تآكل القواعد التقليدية للتحالفات، وانكفاء بعض القوى الغربية عن لعب دور رادع مباشر.

وفي هذا السياق، تتحرك مصر بثبات على مبدأ الرفض الكامل لأي انتهاك لسيادة الدول، مع الحرص في الوقت ذاته على ضمان أمنها القومي والاقتصادي، مدركةً أن الفوضى في الإقليم لا توفر أحدًا.

جغرافيا الحذر في زمن اللايقين

ليس أمام مصر سوى التموضع بين الحذر والفاعلية، بين الامتناع عن الانجرار لمواقف منحازة وبين قيادة تحرك دبلوماسي عربي جماعي للتهدئة، إذ إن فالمنطقة ليست بحاجة إلى حرب، بل إلى تعزيز بنية الأمن الجماعي التي بدأت تتآكل، فيما تتجه النيران من سماء طهران إلى تخوم البحر الأحمر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى