أخر الأخبار

ازدواجية أمريكا: السودان متهم بلا دليل وغزة تحترق

حين نُقلب صفحات الخرائط السياسية للعالم، نرى بقاعًا مشتعلة من الدماء والنار، وصراعات تدمر الإنسان والحجر. لكن وسط هذا المشهد المأساوي، تظهر ازدواجية المعايير كجرح أخلاقي عميق، تفضحه سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أزمات العالم.
السودان: اتهام بلا دليل
في السودان، الذي يئن تحت وطأة حرب أهلية طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، سارعت واشنطن مؤخرًا إلى فرض عقوبات جديدة بحجة استخدام الجيش السوداني أسلحة محرّمة دوليًا. هذه المزاعم التي لم تدعمها بعد أي تقارير رسمية من الأمم المتحدة أو حتى أدلة فوتوغرافية موثقة، جاءت بينما يغرق السودان في نزاع دموي حصد حتى الآن – بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية ومنظمات إغاثة – ما يزيد عن 15,000 قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح داخلي وخارجي منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023.
ورغم خطورة الوضع الإنساني الكارثي في السودان، فإن ما يثير السخط هو أن العقوبات لم تُبنَ على دلائل قاطعة، بل على اتهامات لا تزال في طور المزاعم، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول النوايا الأمريكية ومدى انحيازها في تعاطيها مع الأزمات.
غزة: الحقائق التي لا تُنكر
في المقابل، وعلى بعد آلاف الكيلومترات، يستمر الاحتلال الإسرائيلي في قصف غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، في عدوان دموي موثق بالأرقام والشهادات. تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية وتقارير الأمم المتحدة إلى:
أكثر من 36,000 شهيد، بينهم ما يقرب من 15,300 طفل و9,600 امرأة.
أكثر من 81,000 جريح، بينهم آلاف المعاقين والمشوهين.
نزوح قسري لأكثر من 1.7 مليون فلسطيني – أي نحو 80% من سكان غزة.

دمار شامل طال نحو 70% من البنية التحتية للقطاع، بما في ذلك المستشفيات، المدارس، المساجد، الكنائس، والمرافق الإنسانية.
تقارير موثقة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية تؤكد استخدام الاحتلال لأسلحة محرّمة دوليًا، وارتكابه جرائم حرب محتملة، من بينها الاستهداف العمدي للمدنيين ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
المفارقة الأخلاقية
بينما تُفرض العقوبات على السودان استنادًا إلى اتهامات غير مثبتة، نجد الولايات المتحدة تغدق على إسرائيل دعمًا عسكريًا وسياسيًا، رغم توفر أدلة دامغة على الجرائم المرتكبة في غزة، بما في ذلك تقارير الأمم المتحدة، ومنظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية. بل إن الدعم الأمريكي بلغ حد نقل قنابل خارقة للتحصينات إلى إسرائيل، وسط دمار غزة وشهادات الناجين التي تقشعر لها الأبدان.
نداء إنساني في ختام المشهد
أي عدالة هذه التي تعاقب الضحية المحتملة (السودان) بينما تحمي الجلاد الحقيقي (الاحتلال في غزة)؟!
أي منطق هذا الذي يُدين بأبسط اتهام دون بينة، ويغض الطرف عن مجازر موثقة بالصوت والصورة؟!
إن ازدواجية المعايير لم تعد مجرد سياسة عابرة، بل تحولت إلى وصمة عار أخلاقية تهدد فكرة العدالة والحق. وعلى العالم أن يفيق: لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة بدون مساءلة ومحاسبة عادلة لكل من يرتكب جرائم حرب، أيًا كانت هويته.
لن ينقذنا إلا الضمير الإنساني، الضمير الذي لا يبيع دماء الأبرياء بثمن المصالح السياسية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى