تحليل-عمرو خان
في ضوء ما ورد في نبذة فعالية تشاتام هاوس حول “رؤى متنافسة للنظام الدولي”، من الواضح أن المؤسسة الغربية بدأت تعترف – وإن بشكل غير مباشر – بأزمة المصداقية التي تواجهها المنظومة الليبرالية الدولية، خصوصًا في نظر دول الجنوب العالمي، ومنها الدول العربية، هذا الاعتراف بوجود “ادعاءات” حول الازدواجية الغربية لا يزال في إطار اللغة الأكاديمية المهذبة، لكنه يفتح الباب لمراجعة نقدية أعمق من وجهة نظر عربية.
الازدواجية في الخطاب والممارسة
لطالما كان التناقض بين المبادئ التي يرفعها الغرب – كالحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان – وبين ممارساته على الأرض، من أبرز ما يشكل الوعي العربي تجاه السياسات الغربية، فبينما تُقدم هذه المبادئ باعتبارها عالمية وغير قابلة للتجزئة، يتم إفراغها من مضمونها في السياق العربي:
- تُدان المقاومة الفلسطينية باعتبارها “إرهابًا”، بينما تُبرر الحروب الاستباقية لإسرائيل على أنها “دفاع عن النفس”.
- يُفرض الحصار على شعوب عربية بأدوات اقتصادية وتجارية وسياسية، بينما يُفتح المجال لدعم أنظمة استبدادية إذا كانت حليفة للغرب أو ضامنة لمصالحه.
- يتم استدعاء القانون الدولي في أوكرانيا، بينما يُهمّش تمامًا في اليمن، أو سوريا، أو ليبيا، أو غزة.
إعادة ضبط السياسات أم إعادة إنتاج الهيمنة؟
تتحدث الورقة عن “إعادة ضبط للسياسات الخارجية”، لكن من المنظور العربي، يبدو أن هذه “المراجعة” تهدف بالأساس إلى الحفاظ على الهيمنة الغربية بوسائل جديدة بدلًا من تغيير حقيقي في البنية الدولية، إذ يُلاحظ أن التحولات الجارية تركز على كيفية تحجيم صعود الصين أو روسيا، بينما لا تتضمن أي إعادة نظر فعلية في أسس الهيمنة الغربية على الجنوب العالمي، سواء عبر صندوق النقد الدولي أو عبر شبكة التحالفات العسكرية والاقتصادية غير المتكافئة.
الجنوب العالمي: وعي جديد ورفض متزايد
تشهد دول الجنوب – ومن بينها الدول العربية – تصاعدًا في الوعي السياسي الرافض للتبعية، والتوجه نحو تنويع الشراكات الدولية، والانفتاح على الصين وروسيا وتركيا كقوى توازن النفوذ الغربي، وتبدو هذه التحولات ليست فقط مدفوعة بالمصلحة الاقتصادية، بل أيضًا بمواقف أخلاقية من السياسات الغربية المنحازة، خصوصًا في قضايا مثل فلسطين، العراق، والسودان.
النظام الدولي: من مركزية الغرب إلى التعددية
يبدو أن التحول الجاري ليس مجرد “خلل في القيادة الغربية” بل هو تفكك فعلي لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي بُني على مركزية أوروبا وأمريكا، وفي هذا السياق، فإن طرح “تنافس في الرؤى الدولية” قد يكون مفيدًا، لكن بشرط ألا يتحول إلى محاولة لتجميل موقع الغرب بوصفه وصيًا على بقية العالم، بل للاعتراف بتعددية حقيقية في أنماط الحكم، التنمية، والعدالة.
إذ يتضح: من وجهة نظر عربية نقدية، فإن النقاش حول النظام العالمي الجديد لا يمكن أن يكون صادقًا دون مساءلة جذرية للسياسات الغربية التي كرست التفاوت، ودعمت الاستبداد، وأخضعت الجنوب العالمي لمعايير مزدوجة، ولعل الاعتراف الغربي المتزايد بالأزمة ليس سوى البداية، لكن التغيير الحقيقي يتطلب ما هو أكثر من “إعادة ضبط”.. إنه يتطلب تفكيك الهيمنة وإعادة توزيع السلطة العالمية بعدالة.
