أخر الأخبار

رامي زهدي يكتب..«قراءة نقدية تكشف وجع السودان في كتاب عمرو خان»

في قلب السردية الإنسانية للأزمة السودانية

في قلب السردية الإنسانية للأزمة السودانية

قدم الخبير في الشؤون الإفريقية، رامي زهدي، قراءة نقدية موسّعة لكتاب «وطن مصاب بمرض الفراق… السودان 1956-2024 : سرديات من قلب الزوايا المُهملة» للكاتب الصحفي عمرو خان، وصف فيها العمل بأنه إضافة حقيقية للمكتبة العربية والإفريقية، ونافذة مختلفة لفهم السودان من زاوية إنسانية تتجاوز السرديات السياسية التقليدية.

القراءة وضعت الكتاب في سياق اللحظة التاريخية المعقّدة التي يمر بها السودان، إذ يعيش البلد أكبر انهيار مؤسسي ومجتمعي منذ الاستقلال، مما يجعل الشهادات الإنسانية –وفق زهدي– ضرورة لفهم ما يجري على الأرض، بعيداً عن لغة الأرقام والخرائط العسكرية.

روح السودان في مواجهة الفراق

يرى زهدي أن الكتاب لا يكتفي بتوثيق رحلة السودان من 1956 إلى 2024، بل يمضي إلى جوهر الأزمة: أن الفراق أصبح نمطاً وجودياً في حياة السودانيين، من انفصال الجنوب، إلى النزوح الجماعي، إلى التشظي الاجتماعي والسياسي. ويشير إلى أن الكتاب ينجح في تحويل هذا الفراق من مفهوم سياسي إلى تجربة ملموسة عبر سرديات حقيقية لشخصيات سودانية، تعكس وجع المجتمع وقدرته على الصمود في آن واحد.

السرديات المهملة… مركز الثِقَل

تميّز الكتاب، بحسب القراءة، بتسليط الضوء على المساحات التي تُهمل عادة في التحليلات الأكاديمية والسياسية:

حكايات الأمهات في مراكز الإيواء، قصص الشباب العابرين للحدود قسراً، تجارب الأسر السودانية في مصر، وصورة الوطن في ذاكرة لا تزال تبحث عن تماسكها. ويعتبر زهدي أن هذه الشهادات تقدم زاوية نادرة لفهم أزمة السودان من «قاع المجتمع»، حيث تتلاقى الإنسانية مع السياسة دون انفصال.

بين التحليل والسرد… مساحة تحتاج استكمالاً

ورغم إشادته الكبيرة بالكاتب، يشير زهدي إلى أن العمل يقف في منطقة وسطى بين السرد الإنساني والبحث السياسي، ما يجعله بحاجة إلى أعمال أخرى مكملة تتناول جذور ضعف الدولة السودانية، الصراع بين الجيش والحركات المسلحة، دور الإسلاميين، هشاشة الاقتصاد، والتدخلات الخارجية. لكنه يؤكد أن هذا لا ينتقص من قيمة الكتاب، بل يسلّط الضوء على دوره كمدخل ضروري لفهم الوجدان السوداني.

أهمية العمل الآن

يؤكد زهدي أن أهمية الكتاب تنبع من توقيته، إذ يأتي في لحظة تتصدع فيها بنية الهوية السودانية نتيجة الحرب واتساع رقعة النزوح. ويضيف أن الكتاب يسلط الضوء على بُعد مهم في العلاقات المصرية–السودانية من خلال رصد تجارب السودانيين في مصر، وكيف تحولت القاهرة إلى فضاء للنجاة وإعادة تشكيل الروابط الإنسانية.

بالنسبة للقارئ العادي، يوفّر الكتاب سرداً عميقاً ومؤثراً يدمج التاريخ بالذاكرة الفردية والجماعية. أما للمتخصصين، فيقدّم قيمة واضحة في ربط البعد الإنساني للنزاعات بالتحولات الاجتماعية والسياسية، وفتح آفاق لدراسات مقارنة حول الدول الهشة في إفريقيا.

وفي ختام قراءته، يرى رامي زهدي أن كتاب «وطن مصاب بمرض الفراق» هو شهادة حيّة أكثر منه دراسة تحليلية، وأن أهميته تكمن في أنه يذكّر بأن الحرب ليست مجرد صراع على السلطة، بل «كسرٌ في معنى الوطن نفسه»، وأن فهم السودان يبدأ من الإنسان قبل السياسة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى