أخر الأخبار

"مايو الملتهب": حرارة قياسية تنذر بكوارث مناخية في أفريقيا

وموجات حر قياسية تهدد القارة السمراء بالجفاف والنزوح

سجل شهر مايو الماضي ثاني أعلى متوسط لدرجات الحرارة العالمية على الإطلاق، بحسب تقرير شهري أصدرته خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي (C3S)، مما يعكس استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري بوتيرة متسارعة تهدد استقرار المناخ العالمي، وتُضاعف الأخطار على القارات الأكثر هشاشة، وعلى رأسها أفريقيا.

ثاني أشد شهور مايو حرارة منذ بدء التسجيل

في نشرته الصادرة يوم الأربعاء، أكد برنامج كوبرنيكوس أن مايو 2025 لم يسبقه في الارتفاع الحراري سوى مايو 2024، وبلغ متوسط درجات حرارة سطح الأرض فيه 1.4 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية (1850-1900).

كما أكّد التقرير أن الربيع الماضي (مارس–مايو) كان ثاني أكثر فصول الربيع سخونة في نصف الكرة الشمالي، وهو ما ينسجم مع سلسلة من السجلات المناخية التي تُكسر شهريًا في مختلف أنحاء الكوكب.

القطب الشمالي لم يسلم.. والذوبان يتسارع

سجلت غرينلاند وآيسلندا موجات حر قياسية فاقت المعدلات الطبيعية بثلاث درجات مئوية، مما أدى إلى تسارع ذوبان الغطاء الجليدي، وفق دراسة منفصلة أجرتها مجموعة “World Weather Attribution”، المتخصصة في تقييم تأثيرات تغير المناخ على الأحداث الجوية المتطرفة.

ويؤكد العلماء أن هذا الذوبان الإضافي في مناطق القطب الشمالي يرفع مستويات البحار، ويُسرع من وتيرة الخلل المناخي العالمي.

هل هو تجاوز دائم لعتبة الـ1.5°C؟

ما يثير القلق في تقرير كوبرنيكوس هو الإشارة إلى أن 21 من أصل 22 شهرًا ماضية تجاوز فيها متوسط درجة الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية، وهي الحد الذي اتفقت عليه اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 لتفادي الكوارث المناخية.

ورغم أن العلماء يعتقدون أن هذا الارتفاع قد لا يستمر بشكل دائم في المدى القريب، فإن التوجه العام يشير إلى اقتراب خطير من نقطة اللاعودة.

كارلو بونتيمبو، مدير مركز C3S، حذر من وهم الاطمئنان قائلاً:

“ربما يقدم هذا راحة مؤقتة للكوكب، لكننا نتوقع تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية مجددًا في المستقبل القريب، بفعل استمرار الاحترار في نظام المناخ”.

أزمة من صنع البشر

يرى علماء المناخ أن العامل الأساسي خلف هذا التصاعد غير المسبوق في درجات الحرارة هو انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري. وعلى الرغم من تعهدات الدول الصناعية الكبرى بتقليل الانبعاثات، إلا أن الانفصال بين الخطاب السياسي والتنفيذ العملي لا يزال عميقًا.

وقد كان عام 2024 هو الأكثر سخونة في التاريخ المُسجّل، ما يضع الكرة في ملعب الحكومات والشعوب لتحمّل مسؤولية التحوّل العادل والسريع نحو الطاقات النظيفة.

توقعات قاتمة لأفريقيا: القارة الأكثر هشاشة أمام الحرارة المتصاعدة

أفريقيا، التي لا تسهم سوى بنحو 3% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، تُعد من أكثر القارات تأثرًا بالاحترار العالمي. ويتوقع خبراء الأرصاد أن تترتب على هذا التصاعد الحراري موجات جفاف أشد قسوة في القرن الأفريقي، وحرائق غابات في شمال أفريقيا، وزيادة في معدلات النزوح المناخي جنوب الصحراء الكبرى.

أبرز التوقعات لعام 2025–2026:

  • القرن الإفريقي: احتمالية مرتفعة لاستمرار الجفاف في إثيوبيا والصومال وكينيا حتى نهاية 2025، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين السكان.
  • الساحل الأفريقي: موجات حر مبكرة قد تؤدي إلى انقطاع المحاصيل وتزايد النزاعات على المياه.
  • شمال أفريقيا: خطر متزايد من حرائق الغابات في الجزائر وتونس والمغرب، خاصة مع استمرار الموجات الحارة الجافة.
  • حوض النيل: تسارع ذوبان الجليد في الهضبة الإثيوبية قد يغير أنماط الفيضان في النيل الأزرق، مع تداعيات محتملة على الزراعة في السودان ومصر.

العالم يحترق…وأفريقيا تدفع الثمن

تثبت البيانات الصادرة من كوبرنيكوس وغيرها من مراكز الأبحاث العالمية أن التغير المناخي لم يعد مسألة نظرية، بل واقع يومي تتصاعد وطأته شهراً بعد آخر. وإذا لم يتم التحرك بجدية على المستوى العالمي، ستواجه البشرية موجات حر مميتة، وارتفاعات بحرية مهددة للمدن، وخللاً في الأمن الغذائي والمائي لا سيما في الجنوب العالمي.

مايو 2025 ليس مجرد رقم في سجل المناخ، بل إنذار صارخ بأن الزمن ينفد… وأن أفريقيا – رغم براءتها من التسبب في الأزمة – ستكون أول من يحترق.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى