أخر الأخبار

عمرو خان يكتب «نسرين النمر… شجرة الإعلام السوداني المثمرة»

لم تكن معرفتي بالكاتبة الصحفية والإعلامية المتميزة نسرين النمر معرفة عابرة، ولا لقاءً سريعًا في زحام المهنة. عرفتها في ندوة كإعلامية تمتلك قدرة نادرة على إدارة الحوار المثمر في أضيق المساحات، وفي أقل الأزمنة اتساعًا؛ كأنها تعرف كيف تمنح الفكرة حقها الكامل، حتى حين يُضيّق الواقع الخناق على الكلام. مثقفة، هادئة في قوتها، صلبة في وعيها، لا ترفع صوتها لتُقنع، بل تُقنع لأنها تعرف ماذا تقول، ومتى تقول، وكيف تفتح نافذة للنقاش حين يبدو الأفق مغلقًا.

في المشهد الإعلامي السوداني، لا يُهاجَم الفشل، ولا تُستهدف التجارب الهشّة. وحده النجاح هو من يوقظ الشائعات، ويستدعي محاولات الإجهاض المبكر. وهذا تمامًا ما تتعرض له اليوم تجربة قناة العنوان 24، ومعها تقف الإعلامية والصحفية نسرين النمر في قلب عاصفة مفتعلة، عنوانها التشكيك، وأداتها الإشاعة.

الكاتبة الصحفية والإعلامية نسرين النمر
الكاتبة الصحفية والإعلامية نسرين النمر

قناة لم تُكمل عامها الأول، ومع ذلك استطاعت أن تملأ فراغًا حقيقيًا في الساحة الإعلامية، لا بالصخب ولا بالمزايدات، بل بالعمل الهادئ، والانضباط المهني، والحرص على نقل الخبر بدقة وأمانة. في زمن اختلطت فيه الحقيقة بالزيف، وتحوّلت فيه الشائعة إلى سلعة رائجة، نجحت العنوان 24 في أن تصبح مرجعًا للتحقق، لا منصة للتضليل.

المفارقة المؤلمة أن الهجوم لم يأتِ من نقد مهني مسؤول، بل من محاولات مكشوفة لتغبيش الحقائق، وترويج سرديات غير موثقة، كان الأجدر بأصحابها—لو امتلكوا الحد الأدنى من المهنية—أن يتواصلوا مع إدارة القناة أو مديرها العام، بدلًا من الانجراف خلف روايات مرسلة لا تخدم الحقيقة ولا المهنة.

أما نسرين النمر، فهي ليست طارئة على الإعلام، ولا اسمًا صاعدًا بلا جذور. هي صحفية كاتبة وإعلامية متمكنة، تعرف أدواتها، وتدرك حدود مهنتها، وتدفع—كغيرها من المهنيين الحقيقيين—ثمن الظهور في الصفوف الأولى. تاريخها المهني يشهد بأنها لم تكن يومًا باحثة عن ضوء سهل، بل عن معنى للخبر، وسياق له، ومسؤولية في نقله.

الهجوم الذي يستهدفها اليوم ليس هجومًا على شخصها بقدر ما هو محاولة لكسر نموذج إعلامي مختلف: نموذج لا يصرخ، لا يبتز العاطفة، ولا يقتات على الفوضى. نموذج يؤمن بأن الإعلام وظيفة عامة، لا ساحة لتصفية الحسابات.

يبقى السؤال المؤلم والمفتوح:

لماذا نضع لبعضنا البعض العراقيل؟

وهل بات نجاح تجربة إعلامية جديدة يستدعي بالضرورة السعي لإفشالها؟

في كل التجارب الإنسانية، حقيقة واحدة لا تتغير: الشجر المثمر فقط هو ما يُقذف بالحجارة. أما الأشجار اليابسة، فلا يلتفت إليها أحد.

ما تتعرض له العنوان 24، وما تواجهه نسرين النمر، هو اختبار للوسط الإعلامي بأكمله: إما أن ينحاز للمهنية، أو يترك الساحة نهبًا للشائعات. والتاريخ—كما نعرف—لا ينصف الضجيج، بل يسجل أسماء من عملوا بصمت، وصمدوا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى