أخر الأخبار

عمرو خان يكتب..بين رفض الرباعية وتمجيد بن سلمان وترامب

يقدّم مجلس السيادة الانتقالي بيانًا يرحّب فيه بجهود المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في الدفع نحو تحقيق السلام العادل والمنصف في السودان، ويؤكد استعداده للانخراط الجاد في أي مسار يوقف نزيف الدم ويعيد للبلاد حالة الاستقرار. للوهلة الأولى يبدو النص متماسكًا ومنسجمًا مع خطاب الدولة الرسمي، لكنّ القراءة المتأنية تكشف فجوة كبيرة بين هذا البيان وبين مواقف سابقة اتّخذتها الأطراف الرسمية نفسها تجاه مبادرات مشابهة، وعلى رأسها بيان “الرباعية” الذي تعرّض لهجوم شرس من الأصوات الموالية للحكومة.

السؤال البديهي: أليس هذا البيان الجديد يكرّر بالحرف تقريبًا مطالب الرباعية؟ أليست الدعوة إلى وقف إطلاق النار، والدخول في مسار تسوية، وفتح باب التفاوض، هي ذاتها البنود التي قوبلت وقتها بالرفض وبالاتهامات الجاهزة بالانحياز للدعم السريع؟ ما الذي تغيّر إذن؟ هل تغيّر معنى السلام أم تغيّرت الأطراف التي تنادي به؟

قبل أشهر، حين طالبت الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات بضرورة وقف الحرب والعودة إلى طاولة التفاوض، اشتعلت المنصّات بالغضب، وارتفعت الشعارات التي تمجّد القتال “حتى آخر جندي وآخر طلقة وآخر العمر”، واعتُبر الحديث عن هدنة نوعًا من الخيانة والتفريط والاستسلام. اليوم، وبمجرد أن يخرج تصريح من لقاء يجمع ولي العهد السعودي بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتنقل وسائل الإعلام أن الأمير محمد بن سلمان طلب منه العمل على وقف الحرب في السودان، تتبدّل النبرة تمامًا. فجأة يصبح ما كان “مرفوضًا” بالأمس واجبًا اليوم، وتتحول الدعوة إلى التفاوض من خيانة إلى خطوة حكيمة.

الغريب أيضًا أن البيان الرسمي الحالي يتحدّث عن “جهود المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة” كما لو أن هذه الجهود جديدة، أو مختلفة، أو لها مضمون مغاير لما ورد في مبادرة الرباعية. هل هناك جهود أخرى غير تلك التي يعرفها الجميع؟ وإن كانت هي نفسها، فلماذا رفضت السلطة السياسية خطاب الرباعية واعتبرته تدخلًا غير مقبول، بينما تُسبغ اليوم لغة التقدير والامتنان للجهود ذاتها؟

أما السؤال الأكثر حساسية فيتعلق بفتح قنوات الحوار مع قوات الدعم السريع. إذا كان وقف الحرب يعني العودة إلى التفاوض، فهل هذا لا يُعدّ – في المنطق الذي رُوِّج سابقًا – تفريطًا في دماء الشهداء وحق الثكالى والأرامل والناجيات من الانتهاكات؟ أم أن معيار “التفريط” يتبدّل بحسب هوية الطرف الذي يطلق الدعوة؟

هذا التناقض الصارخ يكشف عن مشكلة عميقة في الخطاب السياسي الرسمي: غياب الوضوح، وغياب المنهج، وغياب الاتساق. فإذا كان المبدأ هو السعي إلى السلام، فلماذا يُرفض حين يأتي من الرباعية ويُقبل حين يصدر من الرياض وواشنطن؟ وإذا كان المبدأ هو الثبات على موقف “لا تفاوض”، فلماذا جرى التخلي عنه بلا تفسير؟

إن احترام عقول السودانيين يبدأ من الشفافية. المطلوب ليس التطبيل لمبادرة جديدة ولا جلد الذات على ما مضى، بل تقديم توضيح مباشر وصريح:

ما الذي تغيّر؟

ولماذا كانت الدعوة إلى وقف الحرب عيبًا بالأمس وأصبحت فضيلة اليوم؟

ومن هي الأطراف الحقيقية التي يجري معها النقاش حول مستقبل السودان؟

ما لم تُجب السلطة الانتقالية عن هذه الأسئلة، سيظل البيان الجديد مجرّد نص جميل في الشكل، لكنه غامض، ومتردّد، ومفتوح على كل التأويلات في الجوهر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى