أخر الأخبار

إبراهيم شقلاوي يكشف لـ"Khan News" أسرار مفاوضات سد النهضة (حوار)

الشقلاوي: إعلان مبادئ 2015 فتح الباب للأمل.. لكن غياب الاتفاق الملزم أضاع بوصلة التفاهم

حاوره عمرو خان 

في إطار التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها السودان ومصر في ظل أزمة سد النهضة الإثيوبي، أجرت ” KHAN NEWS” حوارًا مع الكاتب السياسي السوداني والباحث في الإعلام التنموي الدكتور إبراهيم شقلاوي، الذي شغل دور مستشار في لجنة مفاوضات سد النهضة بوزارة الري السودانية.

و يعد الدكتور شقلاوي من أبرز المفكرين الذين تتبعوا مسار مفاوضات السد منذ بدايتها وحتى اليوم، ولديه رؤية شاملة حول تأثيراتها على الأمن المائي والغذائي في السودان ومصر.

في هذا الحوار، يتناول الدكتور شقلاوي أبرز القضايا المرتبطة بمفاوضات سد النهضة، من تحديات سياسية إلى تداعيات اقتصادية، بالإضافة إلى الدور الحيوي الذي تلعبه مصر في دعم السودان في هذه المرحلة الحساسة.

 

كيف يقيّم الدكتور إبراهيم شقلاوي مسار مفاوضات سد النهضة منذ بدايتها وحتى الآن، وما أبرز العقبات التي حالت دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا؟

منذ انطلاق مفاوضات سد النهضة في عام 2011، اتسم المسار بالتعقيد والتعثر بسبب تباين المصالح الاستراتيجية بين الدول الثلاث. بدا الأمر وكأنه جزء من حرب مناورات سياسية وقانونية تدور في حلقة مفرغة. ففي البداية، حاولت الأطراف المتفاوضة التوصل إلى حلول توافقية، وكان الأمر متوقعًا أن يسير في طريق طويل ومعقد بالنظر إلى حجم القضية وأهميتها.

لكن الأزمة بدأت تتفاقم مع مرور الوقت، خاصة في ظل التباين الواضح في الأهداف والمصالح بين مصر وإثيوبيا والسودان. ورغم أن المسار بدأ بالتعثر، إلا أنه شهد في مارس 2015 نقطة مفصلية بتوقيع وثيقة “إعلان المبادئ” بين الدول الثلاث في الخرطوم، والتي أقرّت بعض المبادئ الأساسية مثل التعاون المشترك، والمنفعة لجميع الأطراف، وعدم الإضرار بأي من دولتي المصب (مصر والسودان). ولكن رغم هذه التفاهمات الأولية، لم تستطع الأطراف أن تتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يحدد قواعد الملء والتشغيل بشكل دقيق. العقبة الرئيسية التي حالت دون التوصل إلى الاتفاق هي غياب الثقة بين الأطراف، ورفض إثيوبيا المستمر لفكرة التوصل إلى اتفاق ملزم. إضافة إلى ذلك، لعبت الحرب الداخلية في السودان، والتغيرات السياسية المتلاحقة فيه، دورًا كبيرًا في عدم استقرار الموقف التفاوضي، خاصة مع ضعف التنسيق الداخلي بين الجهات الحكومية السودانية في بعض الأوقات.

ما هي أبرز التداعيات المحتملة لأزمة سد النهضة على الأمن المائي والغذائي في كل من مصر والسودان، خاصة في ظل تزايد تأثيرات التغير المناخي وتراجع معدلات الأمطار في المنطقة؟

سد النهضة يمثل تحديًا وجوديًا للأمن المائي والغذائي في مصر والسودان. في مصر، التي تعتمد بشكل رئيسي على نهر النيل للحصول على مياهها العذبة (أكثر من 95% من المياه تأتي من النيل)، يمكن أن يؤدي غياب التنسيق حول قواعد الملء والتشغيل إلى نقص كبير في المياه، مما سيكون له تأثيرات مباشرة على الزراعة، وتوليد الكهرباء، والأمن الغذائي بشكل عام. هذه الآثار السلبية قد تعني انخفاضًا في قدرة مصر على إنتاج الغذاء وتوفير مياه الشرب لعدد كبير من سكانها، الذين يزداد عددهم بشكل مستمر.

أما بالنسبة للسودان، ففي حين أن هناك بعض الفوائد المحتملة من سد النهضة مثل تقليل الفيضانات وتنظيم تدفق المياه، فإن التحدي الأكبر يكمن في أن الملء الأحادي للسد دون تنسيق قد يعرض السدود السودانية، خاصة سد الروصيرص، لضغوط فنية تهدد سلامتها. كما أن اضطراب تدفقات المياه بسبب تعذر الاتفاق قد يُربك دورة الزراعة الموسمية في السودان، حيث تعتمد البلاد بشكل كبير على تدفق المياه الموسمي للري. ومع تفاقم تأثيرات التغير المناخي، حيث تُتوقع حالات جفاف أكثر تكرارًا وتقلبات هيدرولوجية تؤثر على كميات المياه المتاحة، يصبح من الضروري أن تكون هناك آلية تنسيق ملزمة بين الدول الثلاث لإدارة مياه النيل.

في هذا السياق، قد يكون للاتفاق الذي تم بين السودان وإثيوبيا في أكتوبر 2022 حول تبادل المعلومات الفنية دور في الحد من هذه الآثار السلبية. الاتفاق يهدف إلى ضمان تدفق المياه بشكل محسوب لمنع أي تأثيرات سلبية على السدود السودانية، بالإضافة إلى حماية حياة حوالي 20 مليون نسمة يعيشون على ضفاف النيل الأزرق والنيل الرئيسي. هذا الاتفاق يظهر أهمية التنسيق الثنائي بين السودان وإثيوبيا في ظل الأزمة المستمرة، بينما اختار الجانب المصري أن يتوجه للمحافل الدولية لتسوية النزاع.

متى بدأت اللجان الفنية والسياسية المشتركة بين مصر والسودان بشأن مفاوضات السد؟ وما طبيعة الدور الذي لعبته هذه اللجان في محاولة توحيد الموقفين المصري والسوداني؟

بدأت اللجان الفنية المشتركة بين مصر والسودان في فترة مبكرة من مفاوضات سد النهضة، خاصة بعد توقيع “إعلان المبادئ” في عام 2015. هذه اللجان كان دورها الأساسي هو تبادل المعلومات الفنية بين الطرفين، وتقييم تأثيرات السد على الأمن المائي والزراعي في كلا البلدين. كما سعت هذه اللجان إلى تعزيز التنسيق بين مصر والسودان في مواجهة المواقف الإثيوبية المتعنتة في بعض الأحيان.

لكن الدور الذي لعبته هذه اللجان لم يكن كافيًا لتحقيق توافق دائم بين الدولتين، وذلك بسبب التغيرات السياسية الداخلية في السودان، والتي أثرت على موقفه الرسمي في بعض الفترات. بعد ثورة 2019 وتغير القيادة السودانية، شهدت السياسات الخارجية للسودان تغييرات واضحة، مما أدى إلى تنوع في مواقف الخرطوم من مفاوضات سد النهضة. في بعض الأحيان، كان السودان يفضل توحيد المواقف مع مصر لتحقيق المصالح المشتركة، بينما في أوقات أخرى، كان السودان يميل إلى اتخاذ مواقف أكثر استقلالية أو تركيزًا على مصالحه الداخلية. على الرغم من هذه التباينات، ساهمت الاجتماعات واللجان المشتركة في نقل وجهات النظر وتقريب المواقف بين مصر والسودان.

ترددت معلومات عن وجود خبير سوداني في مجال السدود يعمل مستشارًا للحكومة الإثيوبية في مشروع سد النهضة؛ ما مدى دقة هذه المعلومات، وكيف ينعكس مثل هذا الدور على وحدة الموقف السوداني؟

قد تكون هذه المعلومات صحيحة جزئيًا، لكن من المهم أن نوضح أن وجود خبير سوداني في مجال السدود يعمل كمستشار للحكومة الإثيوبية لا يعني بالضرورة أنه يتخذ موقفًا يعارض مصالح السودان في المفاوضات. السودان، كما نعلم، يمتلك خبرات هندسية كبيرة في مجال بناء السدود، حيث أن العديد من السدود الكبيرة في السودان تم تشييدها من قبل مهندسين سودانيين. هذه الخبرات ناتجة عن سنوات من العمل في مجال بناء السدود الصغيرة والمتوسطة، ولذلك قد يلجأ الطرف الإثيوبي إلى الاستفادة من هذه الخبرات في مجال الإنشاء والتشغيل.

ومع ذلك، من المهم التفريق بين المواقف الشخصية للمختصين، مثل الخبراء السودانيين، والمواقف الرسمية للدولة السودانية. رغم التعاون الفني بين الأفراد، فإن الموقف الرسمي للسودان ظل ثابتًا في الدعوة إلى اتفاق قانوني عادل ومتوازن يحفظ مصالح جميع الأطراف. لذا، يجب أن نكون حذرين عند تفسير هذه التعاونات الفنية بعيدًا عن المواقف السياسية الرسمية.

كيف يرى الدكتور الشقلاوي الدور المصري في دعم السودان خلال هذه المرحلة الحساسة، سواء في ملفات الأمن المائي أو استقرار المنطقة، وما المطلوب لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة؟

مصر لعبت دورًا محوريًا في دعم السودان، سواء في ملف سد النهضة أو في استقرار المنطقة بشكل عام. مصر تدرك تمامًا أن الاستقرار الأمني والسياسي في السودان هو جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، لذا كانت حريصة على دعم السودان في ملف سد النهضة، ليس فقط عبر التنسيق الثنائي في المفاوضات، ولكن أيضًا عبر تقديم الدعم الفني والسياسي. هذا التعاون يعد جزءًا من الشراكة الاستراتيجية المستمرة بين مصر والسودان، والتي تعود إلى تاريخ طويل من العلاقات بين البلدين.

ولكن لتعزيز هذا التعاون، يجب على الدولتين العمل على توحيد الرؤية الاستراتيجية في مواجهة التحديات المستقبلية، سواء في مجال الأمن المائي، أو التنمية الزراعية، أو في مواجهة تأثيرات التغير المناخي. التعاون يجب أن يُبنى على شراكة شفافة ومتكافئة تضمن تحقيق مصالح الشعبين في مجالات المياه والطاقة والزراعة. وبجانب ذلك، يجب أن تعمل اللجان الفنية المشتركة على تعزيز قدراتها في مراقبة تدفقات المياه وتبادل البيانات بانتظام، مما يساعد في تقليل المخاطر المحتملة على السدود السودانية والأمن المائي بشكل عام.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى