أخر الأخبار

“أكاديميات تحت السلم”.. كيانات وهمية تسرق أحلام اللاجئين بشهادات بلا قيمة!

تقرير- عمرو خان

في ظل الاستسهال والتحايل وانتحال الصفة المهنية، برزت العديد من الأوجه والأسماء في مجال التدريب الأكاديمي، سواء في العلوم الحديثة التكنولوجية أو في مجالات التنمية البشرية. وفي خضم هذه الفوضى، احتلت بعض الكيانات الوهمية مساحة لا بأس بها من الظهور والتواجد، محققة مكاسب مادية دون أن يُوجّه لها السؤال: من أين لكِ هذا؟

كيانات تدريب وهمية
كيانات تدريب وهمية

منذ مطلع عام 2024 وحتى يومنا هذا، تفاقمت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من أن بعض هذه الكيانات قد تنبهت إلى مخالفتها القانونية – إما بمبادرة ذاتية أو بتوجيه أمني – فسعت إلى توفيق أوضاعها عبر التقديم للحصول على التراخيص اللازمة لمزاولة الأنشطة التدريبية، إلا أن جزءًا كبيرًا منها لا يزال يواصل نشاطه خارج الأطر الرسمية، دون رقابة حقيقية أو مساءلة.

 

ولكي تُناقش هذه الظاهرة بعمق، كان لا بد من الوقوف على أسباب انتشارها وازدهارها، إلى جانب تفاقمها. ففي عام 2023، وبعد اندلاع الحرب في السودان، شهدت دول الجوار موجة نزوح ضخمة، حيث استقبلت القاهرة وحدها أعدادًا كبيرة من الفارين من نيران الحرب في الخرطوم، تاركين خلفهم كل متعلقاتهم، بما في ذلك أوراقهم الثبوتية: بطاقات الهوية، وجوازات السفر، وشهادات الميلاد، والمؤهلات الدراسية، وشهادات الخبرة.

 

هذا الواقع المأساوي جعلهم عرضة سهلة لبعض أصحاب الأكاديميات والمراكز التدريبية غير المرخصة، التي ظهرت وانتشرت في مصر خلال تلك الفترة دون مرجعية قانونية، ولا تزال حتى اليوم تمارس أنشطتها دون سند رسمي أو توثيق لهويتها العلمية أو الأكاديمية.

كيانات تدريب وهمية
كيانات تدريب وهمية

فتحت هذه الكيانات أبوابها للسودانيين الراغبين في الحصول على شهادات “خبرة” تساعدهم في التقدم لوظائف تتوافق مع خبراتهم السابقة، ولكنهم اصطدموا بواقع مختلف تمامًا. فما كانوا يأملونه من تأهيل حقيقي وفرصة معترف بها، تحوّل إلى مجرد أوراق لا قيمة لها، ووعود لا تسندها جهة، ليكتشفوا أن ما حصلوا عليه لم يكن سوى سراب جديد يُضاف إلى مأساتهم.

 

وأمام هذا الواقع الملتبس، وجدت بعض هذه الكيانات بيئة مناسبة للنمو والتوسع، خصوصًا مع ضعف الوعي القانوني لدى عدد من اللاجئين، إلى جانب ظروفهم القهرية التي دفعتهم للقبول بأي فرصة تفتح لهم بابًا نحو الاندماج أو إعالة أسرهم. وبدلًا من أن تكون هذه الكيانات منصات دعم وتمكين، تحولت – للأسف – إلى مساحات استغلال ناعمة تُمارس تحت عناوين براقة مثل “التمكين”، و”الدعم النفسي”، و”تطوير الذات”.

 

تفاقم الأمر في ظل غياب رقابة صارمة، أو قاعدة بيانات موحدة تضم المراكز والأكاديميات المُرخصة، أو تتيح للمتدربين التحقق من صلاحية الجهات المانحة للشهادات. كما أن الجهات المعنية – سواء في وزارات التعليم أو القوى العاملة أو التضامن – لم تُفعّل حتى الآن منظومة رصد أو متابعة رقمية واضحة تنبه إلى الكيانات المخالفة، أو تقدم دليلًا موحدًا للمتعاملين، وهو ما نسلط عليه الضوء الآن من أجل ما لا يدرك كله؛ لا يترك كله.

 

إن خطورة هذه الظاهرة لا تقتصر على الخداع المباشر، بل تمتد إلى تشويه صورة التدريب الأكاديمي الجاد، وخلق سوق موازٍ من “الشهادات الورقية” التي تُفقد قيمة التخصص والمهارة الحقيقية معناها، مما يُهدد بدوره سوق العمل ويُربك المؤسسات التي تحاول الالتزام بالمعايير المهنية.

كيانات تدريب وهمية
كيانات تدريب وهمية

ولهذا، فإن التعامل مع هذه الظاهرة يجب أن يكون متعدد المحاور: يبدأ بتشديد الرقابة القانونية، مرورًا بحملات توعية إعلامية ومجتمعية، ولا ينتهي دون وجود جهة تنسيقية رسمية أو مستقلة تتلقى الشكاوى، وتُصدر القوائم السوداء بالأسماء والكيانات المتورطة، وتُعيد الثقة تدريجيًا في مسارات التدريب غير التقليدي الذي يحتاجه آلاف من الشباب، سواء من أبناء البلد أو من المقيمين فيه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى