أخر الأخبار

من "القبة الحديدية" إلى "القبة الذهبية": هل تدخل أمريكا عصر التسلح الفضائي؟

تقرير تحليلي – عمرو خان

في إعلان يثير جدلاً سياسيًا واستراتيجيًا عالميًا، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروع دفاعي ضخم يُدعى “القبة الذهبية”، وصفه بأنه سيكون الحصن الصاروخي الأضخم في التاريخ، والأول من نوعه الذي يعتمد على منظومات تسليحية فضائية.

وبذلك تدخل الولايات المتحدة رسميًا سباق التسلّح في الفضاء، مستلهمة النموذج الإسرائيلي المعروف باسم “القبة الحديدية”، ولكن بحجم وتكلفة ورهانات تتجاوز بكثير أي مشروع دفاعي سابق.

ما هي القبة الذهبية؟

القبة الذهبية هي مشروع وطني أمريكي للدفاع الصاروخي، يُخطط لأن يعتمد على شبكة ضخمة من الصواريخ الاعتراضية، والأقمار الصناعية، والمستشعرات الذكية، سواء في الفضاء أو على الأرض، بهدف حماية أراضي الولايات المتحدة من أي تهديد صاروخي، سواء كان تقليديًا، نوويًا، أو حتى فضائيًا.

وفي مؤتمر صحفي عقد في واشنطن، أعلن ترامب المشروع رسميًا إلى جانب وزير الدفاع بيت هيغسث ونائب قائد العمليات في “قوة الفضاء الأمريكية”، الجنرال مايكل غوتلين. وقال ترامب إن هذه المنظومة ستكون قادرة على اعتراض الصواريخ في كل مراحلها: قبل الإطلاق، وفي أثناء الطيران، وفي مرحلة الهبوط، مشيرًا إلى أن القبة ستُكمِل “ما بدأه الرئيس ريغان قبل 40 عامًا” في إشارة إلى مشروع “حرب النجوم” الذي لم يرَ النور حينها.

التشابه والاختلاف مع “القبة الحديدية”

يستلهم مشروع “القبة الذهبية” اسمه ورمزيته من “القبة الحديدية” الإسرائيلية، التي طُورت بدعم مالي وتقني أمريكي، والتي اشتهرت بقدرتها على اعتراض صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، خاصة من قطاع غزة وجنوب لبنان. لكن في حين أن القبة الحديدية تعمل على مستوى جغرافي محدود بحجم إسرائيل، فإن القبة الذهبية تستهدف تغطية قارة كاملة، وتمتد بنيتها إلى الفضاء.

المقارنةالقبة الحديدية (إسرائيل)القبة الذهبية (أمريكا)
النطاقمحلي/إقليميوطني/عالمي/فضائي
التقنيةصواريخ قصيرة المدى، رادارات أرضيةأقمار صناعية، اعتراض فضائي، صواريخ متعددة المدى
التكلفةلكل بطارية 100 مليون دولار  (10 بطاريات)على مدى  3  سنوات 175 مليار دولار
البيئة التشغيليةعلى الأرضالفضاء، الغلاف الجوي، الأرض
التهديدات المستهدفةصواريخ تقليدية قصيرة المدىصواريخ باليستية، كروز، درونز، صواريخ فرط صوتية، نووية

من سيبني القبة الذهبية؟

بحسب تقارير “رويترز”، فإن شركات أميركية كبرى مثل سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك، وبالانتير المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وأندوريل المختصة بتصنيع الدرونز، هي المرشحة الأقرب للفوز بعقود تنفيذ المشروع. وتشير المعلومات إلى أن تلك الشركات اقترحت بناء شبكة تضم من 400 إلى 1000 قمر صناعي، تُطلق إلى الفضاء بهدف تعقّب وتحييد الصواريخ العالمية في الوقت الفعلي.

الكلفة المرعبة: أكثر من نصف تريليون دولار؟

أعلن ترامب أن المشروع سيكلف 175 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، على أن يُدرج 25 مليارًا في الموازنة الضريبية المقبلة، ولكن مكتب الميزانية في الكونغرس أصدر تقديرًا يفيد بأن تكلفة تشغيل المنظومة على مدى 20 عامًا قد تصل إلى 831 مليار دولار، مما يثير مخاوف جدية حول الجدوى الاقتصادية للمشروع.

معارضة متصاعدة في الداخل والخارج

لاقى المشروع معارضة من عدة أطراف داخل الكونغرس. فقد دعت السيناتورة إليزابيث وارن والنائب غريغ كاسار إلى فتح تحقيق بشأن الشفافية في منح العقود، خاصة في ظل تقارير تفيد بتورط مقربين من ترامب في صفقة التنفيذ.

أما السناتور المستقل أنغوس كينغ، فقد تساءل خلال جلسة استماع حول مدى قدرة القبة الذهبية على مواجهة هجوم صاروخي شامل من قوى كبرى كروسيا أو الصين، وهو السؤال الذي لم يجد له جوابًا شافيًا من وزارة الدفاع حتى الآن.

حتى بعض الجمهوريين أبدوا تحفظهم، مثل السيناتور تيم شيهي الذي وصف المشروع بأنه “قد يكلّف تريليونات الدولارات” وأنه يتطلب مساءلة دقيقة قبل إطلاقه.

مخاوف من سباق تسلّح فضائي

يرى محللون أن المشروع، إذا اكتمل، قد يُغيّر من موازين الردع النووي في العالم، ويُطلق شرارة سباق تسلّح جديد في الفضاء. فقد تدفع هذه الخطوة كلًا من روسيا والصين إلى تسريع تطوير أسلحة فضائية هجومية، مما يُعقد البيئة الاستراتيجية العالمية ويدفع نحو عسكرة الفضاء بشكل أوسع.

ترامب يرد: “إنه مشروع شبه مثالي”

في رده على الانتقادات، وصف ترامب مشروع “القبة الذهبية” بأنه “قريب من الكمال” من حيث الفاعلية، مؤكدًا أن المعترضين “لا يفهمون معنى الردع الحقيقي”.

وفي الأخير: “القبة الذهبية” ليست مجرد منظومة عسكرية، بل هي إعلان نية أمريكي بترسيخ تفوقها العسكري في الفضاء.

وفي حين أن “القبة الحديدية” كانت استجابة تهدف لحماية المدن الإسرائيلية من صواريخ الجماعات المسلحة، فإن “القبة الذهبية” تسعى إلى صياغة معمار أمني كوني جديد.
غير أن الطموح الفضائي الأمريكي قد يفتح الباب أمام مشهد عالمي أكثر خطورة، ويثير أسئلة صعبة عن حدود القوة وجدوى الإنفاق العسكري في عصر الفوضى الجيوسياسية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى