أخر الأخبار

دكتور مدينة دوسةتكتب.. "ملحمة الفاشر: منبع الشجاعة والتضحية في مواجهة الظلم"

إن الأحداث لا تعبر عن نفسها إلا من خلال الأشخاص، وقصة فاشر السلطان تستحق أن تكتب بماء الذهب.

ملحمة الفاشر التي أدهشت العالم… وكيف لا؟ إنها فاشر أبو زكريا، بتاريخها العظيم، ومجدها التليد، ووعيها الجمعي العميق، ومكوناتها الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تعكس وحدتها وتنوعها، وإنسانها المتفاعل إيجابيًا ضد المؤامرات الخارجية والداخلية، وقد تميز قادتها الثوريون بقدرتهم على قراءة الخريطة السياسية بعقل وفكر ومنظور مختلف، فلبّوا نداء الوطن دون تردد.

الفاشر
الفاشر

وكيف لا؟ وهي تقدم شبابًا استشهدوا ويستشهدون دفاعًا عن الوطن، يقفون في وجه من سرق أحلامهم في الحرية والعدالة والأمن والكرامة، أولئك الذين حلموا بوطن يسع الجميع، فحولوه إلى خراب ودمار، واستباحوا الأرواح، واغتصبوا الحرائر، وهجّروا الأبرياء، وانتهكوا حقوقهم وأهانوا كرامتهم.

وكيف لا؟ إنسان الفاشر منبع الأصالة، حيث أن كل مدينة في السودان تحمل نسقًا مميزًا يعكس هويتها، لكن الخصوصية التي يحملها إنسان الفاشر تبرز من خلال ربطه للماضي بالحاضر في سلوكه الممارس، مثل النفير والتعاون وتقديم العمل الجماعي من خلال القول والفعل، ما انعكس في دفاعهم المستميت عن وطنهم.

وكيف لا؟ في زمن عم فيه الحقد والكراهية والحسد، يقابلك إنسان الفاشر بابتسامات صادقة، وضحكاتهم النابعة من قلوبهم الطيبة، ينسونك هموم الحياة ويخففون عنك آلامها.

مقالات ذات صلة

وكيف لا؟ شباب الفاشر الذين نشأوا على مقاومة الأخطار، يقاومون بشجاعة في المعارك. هؤلاء هم الذين قادوا أكبر موكب مساند للاعتصام وجسدوا قضية دارفور في تلك الملحمة، ناسين جراحهم ومتحدين تحت شعار: “الآن الحصة وطن، ولا صوت يعلو فوق صوت المدفع لدحر الجنجويد”، زادهم كل يوم قوة وثباتًا في معركة الوجود: “نكون أو لا نكون”.

وكيف لا؟ في الفاشر، نجد النساء أيضًا في قلب المعركة، يقاومن مع أزواجهن وأبنائهن وأخوانهن. أبدعن في الشجاعة والاستبسال، يداوين الجرحى، ويسقين العطشى، ويطعمن كما فعلت النساء المسلمات في صدر الإسلام، لم يتوقفن عن تقديم الدعم النفسي والمعنوي لقواتهن الباسلة من خلال وسائل الإعلام، فأصبحن جزءًا من المعركة التي تهدف إلى تحرير الأرض والعرض.

الفاشر
الفاشر

وكيف لا؟ أئمة الفاشر، من رواق الأزهر الشريف، الذين استلهموا القرآن الكريم وتفسيره، أصبحوا جزءًا من المعركة، يبثون في الناس روح الجهاد والاستشهاد. خطبهم كانت تهز العدو وتجعلهم يولي مدبرين هاربين، بكلماتهم، دفعوا المستنفرين إلى التوجه إلى جبهات القتال بكل إصرار، مُجسدين أروع معاني التضحية.

وكيف لا؟ إنسان الفاشر استطاع أن يدير الاختلافات الاجتماعية والثقافية بينه، رغم التحديات التي تمر بها البلاد. يعرف أن هناك خللًا في مفاهيم مثل الوطن والانتماء، وأن السلوكيات قد تراجعت في ظل الحرب الحالية، ولكنهم اندمجوا في بوتقة واحدة، حيث لسان حالهم: “إن قاومنا نمت، وإن لم نقاوم نموت، إذن لنقاوم وننمو”،ولا زالت مجزرة الجنينة تذكرنا بألم هذه الحرب.

 

وكيف لا؟ الشعب السوداني عمومًا، وإنسان الفاشر خصوصًا، قد قال كلمته: “لا قوة في العالم تستطيع كسر إرادة الشعب”.

الحرب ما زالت مستعرة، وقد تستمر لفترة طويلة، ولكن يجب أن نتمسك بثوابتنا، لن نشارك في هذه الحرب من أجل السلطة، أو من أجل الذهب والمال، أو لاستحواذ القبيلة على المزيد من الأرض أو الدماء، هدفنا الوحيد هو تلبية نداء الوطن، وحماية النفس، والعرض، والأرض، والمال، وهذه عقيدة راسخة في قلوبنا.

الفاشر
الفاشر

ليس من شيمنا التخاذل، والنفير والاستنفار يدقان أجراسهما في كافة المدن السودانية.

وأخيرًا، وأنا أكتب هذه الأسطر، رغم الفرح والأمل الذي يملأ قلبي، إلا أن الحزن يعتصرني من مشاهد الأشلاء والجثث المكدسة، حتى وإن كانت جثث الجنجويد. وقد غلبتني العاطفة وأنا أتذكر أخوات لي وأصدقاء تربطني بهم علاقات طويلة، أراهم ضمن تلك الأشلاء. كنا معًا في الأحياء، في مراحل التعليم، وفي الحياة الاجتماعية. لعن الله الحرب ومن أيقظها.

لو كفّوا عن عدوانهم غير المبرر، لكفينا عن الدفاع المستميت. لكن بإصرارهم، ضاعت الآمال وتبددت الأحلام. البادي أظلم، قد نعفو ولكننا لا ننسى.

كتبتها: الدكتورة مدينة حسين دوسه، جامعة نيالا، أستاذ مشارك بمركز دراسات السلام وتنمية المجتمع.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى