
لم تعد أزمة سد النهضة مجرد ملف فني أو خلاف حول حصص المياه، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمعادلات القوة في حوض النيل الشرقي. فإثيوبيا تمضي في فرض سياسة الأمر الواقع، معلنةً عن عائدات بمليارات الدولارات، ومؤكدة نيتها التوسع في مشاريع مائية جديدة، بينما تسعى القاهرة والخرطوم إلى تثبيت حقوقهما التاريخية عبر التنسيق المشترك.
الاجتماع الأخير بين وزيري الري المصري والسوداني في القاهرة حمل دلالة سياسية واضحة: توحيد المواقف لم يعد خيارًا بل ضرورة وجودية. ففي السابق، كانت إثيوبيا تراهن على التباينات بين القاهرة والخرطوم، وتستفيد من تذبذب الموقف السوداني أحيانًا. أما اليوم، فإن الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين أعاد صياغة المشهد، محولًا قضية السد إلى ملف “أمن مائي موحد” للشعبين.
هذه الوحدة تمنح الموقف المصري – السوداني قوة مضاعفة على أكثر من مستوى. أولًا، قانونيًا: فالحديث عن الحقوق التاريخية يصبح أكثر رسوخًا حين يخرج من جبهة موحدة. ثانيًا، سياسيًا: حيث يمكن نقل الملف إلى الساحات الدولية بخطاب واحد متماسك. وثالثًا، تقنيًا: من خلال توحيد أنظمة المراقبة والتشغيل، ما يجعل أي تجاوز إثيوبي أو إخلال في التصريفات موثقًا ومكشوفًا.
بالنسبة لإثيوبيا، هذا التحول يعني أن سياسة “فرّق تسد” لم تعد مجدية. التعامل مع جبهة متماسكة أكثر صعوبة من التعامل مع طرفين متباينين. وإذا أصرّت أديس أبابا على الانفراد، فإنها تخاطر بمزيد من العزلة، وربما بفقدان شرعية مشروعها أمام المجتمع الدولي.
الخلاصة أن القوة في هذه الأزمة لم تعد تقاس فقط بحجم السد أو قدرته على توليد الكهرباء، بل بقدرة الأطراف على بناء تحالفات صلبة. ومن هنا، فإن الاتفاق الاستراتيجي بين مصر والسودان لا يمثل مجرد تنسيق ثنائي، بل خطوة تعيد التوازن في معركة مائية – سياسية ستحدد شكل الأمن الإقليمي لعقود مقبلة.