
تقرير خاص – عمرو خان
ثورة الطائرات بدون طيار: انتشار غير مسبوق في إفريقيا
شهدت القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة تصاعدًا مذهلًا في استخدام الطائرات العسكرية بدون طيار، وسجلت البيانات العسكرية في مراكز الدراسات الدولية إن أكثر من 31 دولة إفريقية باتت تمتلك هذه التقنية، مع تسجيل مئات الضربات في 15 دولة، من الخرطوم إلى موبتي في مالي.
وفي عام 2024 وحده سُجلت نحو 484 ضربة أسفرت عن 1176 قتيلًا، وكانت السودان ومنطقة الساحل الإفريقي وحدهما مسؤولتين عن 84% من هذا العدد.
محاولة اغتيال البرهان بطائرة مسيرة تهز السودان
في 31 يوليو 2024، اهتزت الأوساط العسكرية والسياسية في السودان بعد محاولة اغتيال فاشلة استهدفت الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، باستخدام طائرات بدون طيار داخل قاعدة عسكرية بشرق السودان.
مقاطع الفيديو التي وثّقت لحظة الهجوم أظهرت رعبًا حقيقيًا في صفوف الجنود، قبل أن يظهر البرهان متحديًا ومتوعدًا بالرد على قوات الدعم السريع، خصم الجيش في الحرب الدائرة هناك منذ عام 2023.
تركيا تتصدر المشهد..وسباق تسليح بين الحلفاء والخصوم
تعد تركيا المورد الأول للطائرات بدون طيار في إفريقيا، بواقع 32 صفقة، متجاوزة إسرائيل والإمارات وحتى إيران، أبرز طرازاتها، “بيرقدار تي بي 2″، والتي أسهمت في حسم معركة طرابلس الليبية عام 2020، وساهمت لاحقًا في تصاعد الاهتمام الإفريقي بهذه الأنظمة.
على الجانب الآخر، تعمل جماعات مسلحة – من بوكو حرام إلى حركة الشباب ومؤخرًا قوات الدعم السريع “الجنجويد” – على امتلاك طائرات مسيرة بأساليب غير تقليدية، ودون إدراج “الجنجويد” فبعض الجماعات تعمل على تعديل طائرات تجارية صغيرة وتحويلها إلى أدوات قتل فعالة.
صناعة الطائرات بلا طيار تزدهر في القارة
دخلت 9 دول إفريقية سوق تصنيع الطائرات بدون طيار، من بينها السودان، جنوب إفريقيا، وتونس، ومن اللافت أن شركة ENOVA التونسية تُصدّر حاليًا روبوتات أمنية إلى الولايات المتحدة، بينما أعلنت السودان في 2023 عن طائرة انتحارية محلية من طراز “كامين-25”.
السودان: الطائرات بدون طيار تحسم معارك الخرطوم والفاشر
أصبحت الطائرات بدون طيار عنصرًا حاسمًا في الصراع السوداني، إذ إن الجيش السوداني يعتمد بشكل كبير على طائرات تركية وإيرانية، نفذت أكثر من 90% من الضربات المسجلة، وأجبرت قوات الدعم السريع على التراجع من مناطق مكتظة في العاصمة.
وبالمقابل، طورت قوات الدعم السريع ترسانة متنوعة بمساعدة الصين وصربيا والإمارات، واستخدمتها في هجمات استنزافية، وصلت ذروتها في قصف عنيف لمدينة الفاشر.
إثيوبيا: طائرات بدون طيار توقف زحف تيغراي
أثناء حرب تيغراي، ساعدت أساطيل الطائرات بدون طيار المستوردة من تركيا والإمارات وإيران في قلب الموازين لصالح القوات الإثيوبية، التي استعادت السيطرة على العاصمة الإقليمية ميكيلي وأجبرت المتمردين على نزع السلاح.
هل تستطيع الطائرات بدون طيار حسم الحروب؟
رغم فعاليتها العالية، تواجه الطائرات بدون طيار صعوبات أمام تكتيكات حرب العصابات. في الصومال ومالي، يعيد المسلحون تنظيم أنفسهم في مناطق يصعب رصدها جويًا، ويستخدمون عبوات ناسفة تُسقط من طائرات صغيرة على مواقع عسكرية.
وفي ظل دعم خارجي متزايد لكل طرف في النزاعات، يتعذر تحقيق نصر حاسم، كما في ليبيا، حيث تتكافأ ترسانات الطائرات بين القوات المتصارعة.
تحذيرات ودعوات لتحديث العقيدة العسكرية
يحذر الخبراء من أن الاستخدام المتزايد للطائرات بدون طيار دون تحديث العقيدة العسكرية المصاحبة قد يؤدي إلى عواقب غير محسوبة، فهذه الطائرات لا تحتل أراضي ولا تمنح شرعية، بل تحتاج إلى قوات برية فعالة، واستراتيجيات أمنية متكاملة تشمل أنظمة كشف وتشويش واعتراض.
عصر “القتل الذكي” لا يعني نهاية الحروب
تحوّلت الطائرات بدون طيار من أدوات مراقبة إلى رموز لهيمنة مدمرة في الحروب الحديثة. وبينما تُغري بقدرتها على إصابة الأهداف بدقة من مسافات آمنة، فإنها أيضًا تزيد من تعقيد الصراعات، وتمنح القوى الخارجية أدوات لتأجيج النزاعات بالوكالة. إن مواجهة هذا الواقع تتطلب قرارات سياسية شجاعة، وتعاونًا إقليميًا يضمن استخدامًا مسؤولًا لهذه التقنية القاتلة.
المصادر:
- جيريت كورتز، وولفرام لاشر، ودينيس إم. تول،“أسطورة التغيير الجذري: الطائرات بدون طيار والقوة العسكرية في إفريقيا”، الموجز السياسي رقم ٣٣، الاتجاهات الكبرى في إفريقيا، مارس ٢٠٢٥.
- زكرياس زيلالم، “سموات قاتلة: حرب الطائرات بدون طيار في إثيوبيا ومستقبل الصراع في إفريقيا”، موجز سياسي، المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فبراير ٢٠٢٥.
- الجيوش الإفريقية،“بيانات كاملة عن عمليات شراء الطائرات بدون طيار من ١٩٨٠ إلى ٢٠٢٤”، فبراير ٢٠٢٥.
- الجيوش الإفريقية، صفحة ويب “أنظمة الطائرات بدون طيار“.
- نيت ألين، “إيقاف تشغيل الطيار الآلي: معالجة انتشار أنظمة الطيارات بدون طيار في مناطق الصراع في إفريقيا”،موجز بحثي ٠٧/٢٠٢٣، معهد جامعة ستيلينبوش للأمن للحوكمة والقيادة في إفريقيا، يوليو ٢٠٢٣.
- كارين ألين، “الطائرات بدون طيار والجهات الفاعلة غير الحكومية العنيفة في إفريقيا”،إضاءة، مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، ٦ أغسطس ٢٠٢١.