أخر الأخبار

د. آفاق بابكر تكتب: العنف الواقع على النساء وظاهرة قتل الزوجات

كما يُعرف باسم العنف القائم على النوع، هو مصطلح يُستخدم بشكل عام للإشارة إلى أي أفعال عنيفة تُمارس بشكل متعمد أو بشكل استثنائي تجاه النساء، فإن هذا النوع من العنف يستند إلى جنس الضحية كدافع رئيسي، وقد يكون جسديًا أو نفسيًا، وهي تشبه جرائم الكراهية. فنجد أن العنف على المرأة له تاريخ طويل للغاية، ويُعد أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا واستمرارًا، وعلى الرغم من أن حوادث وشدة هذا العنف قد تباينت مع مرور الوقت وحتى اليوم، فإنها لا تزال حدتها وصورها تختلف بين المجتمعات. غالبًا ما يُنظر إلى هذا العنف على أنه آلية لإخضاع النساء سواء في المجتمع بشكل عام أو في العلاقات الشخصية. قد ينشأ هذا العنف من شعور بالاستحقاق أو التفوق أو كره النساء أو المواقف المماثلة في الجاني، أو بسبب طبيعة بعض الرجال العنيفة وخاصة ضد النساء. وينص إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة على أن: «العنف على المرأة هو مظهر من مظاهر علاقات القوة غير المتكافئة تاريخيًا بين الرجال والنساء»، و«العنف على المرأة هو إحدى الآليات الاجتماعية الحاسمة التي تُضطر المرأة بموجبها إلى الخضوع بالمقارنة مع الرجل».

 

وهنا نواجه السؤال المحوري: لماذا يلجأ الرجل لاستخدام العنف أو القتل على المرأة، وهنا أخص (الزوجة) لما نشهده من ازدياد حالات العنف بدءًا من العنف اللفظي أو المعنوي وصولًا إلى العنف الجسدي المؤدي إلى قتل الزوجات؟ وعند الإجابة على هذا السؤال، بالرغم من كثرة وتعقيد أسبابه، اخترت أن أتطرق لعدة أسباب أجد أنها الدوافع الأساسية لتلك الظاهرة:

 

أولًا: التربية التقليدية؛ والتي يظهر فيها ظلم وإساءة واضحة لإنسانية الرجل، حيث إنه يُحرم من حقه في تعلم الذكاء العاطفي والتعبير عن مشاعره، فنجد أغلب ما يُردد على مسامع الولد منذ سنوات طفولته الأولى: (أنت رجل ما تبكي، أنت رجل ما تخاف، أنت رجل ما تعمل كذا، اقسُ على الولد عشان يطلع رجل، اضربه واذله عشان يكبر ويتحمل الصعاب، انتقده وأحمله فوق طاقته عشان يطلع رجل، أنت رجل ما تكون حساس ولا تستخدم العاطفة في التعبير عن حبك أو اشتياقك لأنه دا عيب). وترى الأم من المعيب أن تحتضن ولدها أو تعبر له عن الحب بالكلام. وهناك الكثير من الرجال لم يسمعوا ممن حولهم لفظ (أنا أحبك) أو تم احتضانه من أمه في لحظة حزن أو حاجة، وبالمقابل مسموح له بشعور واحد وهو الغضب. حتى شعور الغضب لم يُعلّمه أحد كيف يتعامل معه أو يديره. لما أقول لم يُعلّمه أحد، أقصد أنه ما في أي شخص قدّم له النصح بشكل واعٍ وعلّمه أن الغضب شعور عادي ولكن التعبير عنه لا يجب أن يكون عن طريق إيذاء الآخرين أو تكسير الأشياء. وتكون النتيجة رجل يحمل مشاعر إحباط وخوف وتوتر، خوفًا على شكله في المجتمع كرجل وليس القيمة الحقيقية للرجولة، وتخرج كل هذه المشاعر السلبية لاحقًا في صورة غضب غير مدروس أو خارج عن السيطرة يؤدي إلى القتل، كما يظهر بكل وضوح في شكل أمراض جسدية مثل الضغط أو السكر أو أمراض القلب.

 

ثانيًا: الاستحقاق الزائف واستنكار الاعتراض

يظهر في العجز عن إيضاح الحقوق والرفض الواضح لحق الاختيار في العلاقات والقيام بالمسؤوليات، حيث يُستنكر على المرأة حقها في القيادة داخل بيتها، وحقها في حضانة أطفالها، وحقها في معرفة حقوقها وواجباتها والوعي بها. وجذر هذا الرفض يأتي من اتجاهين، هما التربية والوعي الجمعي. ففي الموروث الجمعي السلبي، يتعلم الرجل أن قيمته في وجوده وليس في سلوكه، فالرجل رجل ويستحق المركز الأول في المجتمع لمجرد ولادته ذكرًا، ويُعطيه المجتمع حقوقًا غير مبررة مثل حقه في السيطرة على الإناث وسلوكهم أو تبرير الجرائم الأخلاقية والعلاقات قبل وخارج إطار الزواج، وإعفاؤه مما يسمى بجرائم الشرف، بدون أي مبرر غير وجوده الذكوري الذي هو أصلًا لم يكن اختيارًا. وهنا يتطور لدى الرجل شعور بالأفضلية بدون الحاجة لبذل مجهود في تحسين شكل العلاقات، التي من ضمنها العلاقة مع الذات. يعلق الرجل في مرحلة الطفولة المشوّهة الناتج عنها قصور في النضج العاطفي، ففكرة أنك الأفضل لمجرد كونك ذكرًا، وإضافة لمن حولك بدون أن تبذل مجهودًا في تحسين ذاتك ومعالجة علاتها، ظلم بيّن لذات الرجل ومن حوله سواء كانت زوجة أو أبناء أو أسرة ممتدة. وهنا يظهر سبب استخدام الرجل للعنف في حالة الرفض، ويشعر الرجل بأذى نفسي حاد لمجرد تعرضه للرفض أو أن يُقال له إنه غير كافٍ، ويبدأ الصراع بين إحساسه بأنه كافٍ كما هو، وحاجة الشريكة لاجتهاده في التحسين المستمر.

 

وتظهر الجمل السحرية لتبرير أي تقصير للرجل: (دا العادي، أنا من صغير بعمل كدا، والشرع قال كدا). وهذا يعتبر خللًا، فالمؤكد أن هناك خللًا سلوكيًا عضالًا إذا كنت تقوم بنفس السلوك منذ عشرة أو عشرين سنة مع معرفتك بأنه سلوك سيئ، فإنه أبدًا لا يدعو للفخر، بل هو توضيح بأنك عالق ليس لديك القدرة على التطوير الذاتي، وذلك لأن الحياة مبنية على التغيير المستمر والتطور والتحسين.

 

ثالثًا: الضغط النفسي الاجتماعي

وتتمثل في هذه النقطة كل ما سبق، يلازمه ما قد يحدث من مستجدات في حياة الزوجين، مثل الخوف من الفشل الاجتماعي ونظرة المجتمع للطلاق، والضغوط الاقتصادية سواء كانت على الرجل لتحمل نفقات الزواج أو الإنفاق على المنزل، أو في النقيض اعتماد الرجل على المرأة في الإنفاق في حال أن لها دخلًا أعلى منه. وعدم قبول الرجل بقدرة المرأة على الاستغناء عنه ومواصلة حياتها بدونه، مع علمه بقدرتها على ذلك، يمثل للرجل إحباطًا وإحساسًا بالفشل. وبرفضه رؤية هذا العجز متجسدًا في تلك المرأة، يلجأ إلى العنف أو القتل.

 

رابعًا: غياب الوعي الديني أو الاستخدام الخاطئ للدين والشرع

فالدين منهجية كاملة وتفصيلية، لكن فيه أعمدة واضحة وتعاليم يسيرة، وأول ما يفعله الدين بالإنسان أنه يهذب نفسه ويهذب شعوره ولغته. فنجد أن المجتمع يستخدم الفهم الخاطئ للدين لقهر النساء وتمكين الرجل فقط لذكوريته، بل ويتمادى المجتمع في ربط الدين بممارسة عدة أشكال للعنف، بالرغم من أن الدين لم يُعطِ الرجل أي حقوق لم يسبقها بواجبات يجب أن تُؤدى أولًا لاستحقاق الأفضلية. كما أن الدين حرّم الاعتداء بكل أشكاله أو إيذاء الآخر، بل وحتى حرّم إيذاء المخلوقات الأخرى من غير الإنسان. وكان أمر الإسلام واضحًا حتى في حالة رؤية الزوج لزوجته في جماع مع رجل آخر بدون اكتمال شروط إثبات الزنا، حيث جعل لها حكمًا واضحًا وهو (الملاعنة)، بالرغم من أن بعض القوانين تخطت أمر الدين في هذا الأمر ورأت أن ذلك مبرر للقتل فيما يسمى بجرائم الشرف.

 

فنجد أن الصلاة في الإسلام في روحها راحة إذا أنت تقصد بها الصلة مع الله، وهي الأساس في العلاقة مع البشر. فإن لم تُعدل صلة الإنسان بربه علاقته مع البشر، فذلك يظهر خللًا. فالدين ليس فقط آية التعدد أو الأحاديث الضعيفة والموضوعة، بل نجد في كتاب الله العزيز:

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ (البقرة 83)

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (فصلت 34)

﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ (الحجر 88)

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ (النساء 34) إلى آخر الآية التي هي تكليف وليس تشريف، كما أنها موجهة للرجال وليس للذكر، أي باكتمال أركان رجولته.

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ (النساء 19)

 

ووصايا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام:

«كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته» (متفق عليه)

«استوصوا بالنساء خيرًا» (رواه البخاري ومسلم)

«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي وصححه)

«أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا» (رواه الترمذي)

«ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق» (رواه الترمذي)

«إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» (متفق عليه)

 

هذا جزء من كل وغيض من فيض، وهذا تحديدًا هو الدين الذي وجّهنا الرسول عليه الصلاة والسلام أن نقبل حامله كشريك، ونأمنه على النفس، ونمنحه السكن والمودة والرحمة.

 

إذا سكن الله القلب صدق السلوك وأوضح،

ما دين الظاهر وفساد النفس.

 

ربنا يرحم كل زوجة دفعت روحها ثمنًا لجهل مجتمع وسوء اختيار،

ويعين كل زوجة تموت نفسيًا مع شريك مؤذٍ،

وربنا يبارك لكل رجل هين لين مسؤول مدرك قيمته وعظمة رجولته وقدرها ويحفظ عهد الله في زوجته وأولاده.

 

كما أؤمن على أن من يقتل شخصًا بغير وجه حق فواجب عليه القصاص.

 

د. آفاق محمد بابكر – اختصاصي علم النفس الجنائي

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى