أخر الأخبار

الحرب الإيرانية الإسرائيلية وارتباك الموقف الأمريكي

بين الولاء التاريخي والتوازن الجيوسياسي

تقرير استراتيجي-عمرو خان

فجّرت الحرب بين إسرائيل وإيران بركان غضب دولي ساهم في تعميق الفجوة بين مكونات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، وكشفت هذه الحرب عن تباينات حادة في المواقف الدولية، عرّت الكثير من مواطن القوة والضعف في بنية النظام العالمي، وأظهرت هشاشة موازين التأثير على أمن واستقرار المنطقة، بل وعلى السلام الدولي بأسره.

في هذا السياق، بدت الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها تتبنى موقفًا غير معتاد، يختلف بوضوح عن تاريخها الطويل في دعم “طفلها المدلل” إسرائيل، فقد تجلى تباين المواقف الأمريكية بوضوح عند المقارنة بين الدعم المطلق الذي قدمته لإسرائيل في حربها ضد حماس، والموقف الحذر والرمادي الذي تتبناه اليوم تجاه الصراع مع إيران.

أولًا: الولايات المتحدة والحرب – حسابات معقّدة تتجاوز الولاء

رغم العلاقة العضوية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، فإن الموقف الأمريكي من الحرب الإيرانية الإسرائيلية يتسم بالحذر الشديد، إذ يبدو أن واشنطن تحاول الفصل بين الولاء التاريخي لإسرائيل، والضرورات الجيوسياسية الراهنة التي تفرض أولويات أكثر تعقيدًا في المنطقة.

وفي ظل استمرار الدعم السياسي والاستخباراتي لإسرائيل من أمريكا، لكنه يأتي في سياق محسوب لا يُغري إيران بالتصعيد تجاه المصالح الأمريكية في المنطقة، إذ تُظهر واشنطن غياب حماسها للهجمات الإسرائيلية، لعدم التورط العسكري المباشر، مما يعكس إدراك أمريكا لحجم المخاطر المحيطة بأي تدخل قد يفجر حربًا إقليمية شاملة.

وتحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على خطاب إعلامي وسياسي متوازن ظاهريًا، لكنه لا يُخفي الانحياز البنيوي تجاه أمن إسرائيل، وإن كان ذلك عبر أدوات غير تقليدية، وبهذا المعنى، فإن  واشنطن لا تتخلى عن إسرائيل، لكنها تحاول ضبط سلوكها وحصر نطاق الحرب، حتى لا تنفجر المنطقة وتفقد أمريكا القدرة على التحكم في مسار الأحداث.

ثانيًا: الاصطفافات الدولية – تحالفات صلبة وتقاطعات رمادية

تبين هذه الحرب أن الشرق الأوسط لم يعد ساحة مستقطبة فقط بين “معسكر أمريكي” وآخر “إيراني”، بل باتت الاصطفافات أكثر مرونة وغموضًا:

القوى المؤيدة والداعمة لإيران:

روسيا: شريك استراتيجي يغض الطرف عن التحركات الإيرانية مقابل مصالح متبادلة في أوكرانيا وسوريا.

الصين: داعم اقتصادي وسياسي غير صاخب، تسعى لضمان استمرار اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع إيران.

سوريا وحزب الله: امتداد ميداني مباشر للمشروع الإيراني في المنطقة.

الميليشيات الشيعية في العراق واليمن: أدوات الضغط غير المباشر على مصالح إسرائيل وأمريكا.

القوى الداعمة والمتحالفة مع إسرائيل:

الولايات المتحدة: رغم الحذر، تبقى هي الضامن العسكري الأول لتفوق إسرائيل.

بريطانيا وفرنسا وألمانيا: تؤيد إسرائيل تحت غطاء دبلوماسي ناعم، وتُحمّل إيران مسؤولية التصعيد.

عدد من الدول العربية: رغم صمتها، إلا أن عداءها الاستراتيجي لإيران يضعها ضمن الحلف الإقليمي المؤيد لإسرائيل، ولو بصورة غير رسمية.

هذا التوزيع يعكس توازنات قوة جديدة لا تُبنى فقط على التحالفات، بل على المصالح المتقاطعة ومخاوف الانفجار الإقليمي.

 

ثالثًا: قواعد أمريكا في الشرق الأوسط – بين الردع والارتباك

لا يزال الانتشار العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحد أهم عوامل الردع ضد التمدد الإيراني، لكنه في الوقت نفسه، بات عبئًا استراتيجيًا مع تنامي خطر الاستهداف المباشر، وتشمل القواعد الأمريكية الرئيسية:

قاعدة العديد في قطر، الأسطول الخامس في البحرين، وقواعد في الإمارات والكويت والعراق والأردن وسوريا وجيبوتي، وفي ضوء هذه البنية العسكرية، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية للموقف الأمريكي:

 

  1. سيناريو الدعم غير المباشر والردع الدفاعي:

تعزيز الدفاعات الجوية لحماية القواعد، وتوفير المعلومات الاستخباراتية لإسرائيل، واستهداف محدود لوكلاء إيران عند الحاجة.

 

  1. سيناريو الوساطة المقيدة:

إطلاق قناة تواصل خلفية للتهدئة و إحياء المسار النووي كأداة ضغط على إيران و تحييد إسرائيل عبر ضمانات أمنية مؤقتة.

 

  1. سيناريو التدخل العسكري الاضطراري:

وفي حال استُهدفت القواعد الأمريكية مباشرة، سيكون هناك ضربة أمريكية لإيران أو مواقع الحرس الثوري، مع توسيع الحرب إلى ساحات ثالثة مثل العراق أو البحر الأحمر.

سياسة “التحكم في النار” بدلًا من إشعالها

تبدو الولايات المتحدة، لأول مرة منذ عقود، وكأنها تحاول إدارة الأزمة لا قيادتها، وتتحاشى الانفجار الكامل، دون أن تتخلى عن دعم إسرائيل. هذا الموقف يعكس تغيرًا في عقيدة واشنطن العسكرية والسياسية تجاه الشرق الأوسط، من استراتيجية “الهيمنة المباشرة” إلى “الردع الذكي”، في عالم يتجه نحو التعددية القطبية واشتباك المصالح الإقليمية.

وبينما تشتعل حدود إسرائيل بالصواريخ والمواقف الدولية المتضاربة، تبقى واشنطن في موقع لا تحسد عليه، تحاول فيه أن تحمي القواعد وتوازن التحالفات وتتحاشى الحرب العالمية الثالثة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى